نعيشُ في عصرٍ يعتمد على التكنولوجيا في شتى مجالات الحياة. ويشهد العالم تقدماً ملموساً في هذا المجال. وكل تقدم له التأثير الإيجابي أو السلبي على المجتمع والأسرة بوجه الخصوص. سأحاول في هذه المقال الإجابة على السؤال الذي يصب في قالب التأثير، وهو ما أثر التقدم التكنولوجي على الأسرة؟
إن التقدم التكنولوجي له التأثير الواضح على المجتمعات وتطورها، فالأجهزة والأدوات المبتكرة ساعدت الإنسان كثيراً، وسهلت أموره عن طريق التواصل السريع.
قبل الإجابة على سؤال أثر التكنولوجيا على الأسرة يجب أن أحدد مفهوم الأسرة تحديدًا موضوعيًا ودقيقًا، فالأسرة من منظور العالم مالينوفسكي هي «مجموعة من الأفراد تربطهم علاقة وثيقة تميزهم عن غيرهم من الجماعات، ويعيشون في منزل مشترك، وتربطهم عواطف مشتركة».
إن الأسرة وفقًا للنظرية البنائية الوظيفية هي جزء من البناء الاجتماعي، لها وظائف تساعد على استمرار المجتمع، ومن وظائفها المهمة هي إعداد الأفراد لأدوارهم المستقبلية وإشباع احتياجاتهم.
ومن الملاحظ إن التطور التكنولوجي أثَّر على طبيعة العلاقات الأسرية، فالأجهزة مثل الهواتف أحدثت عزلة على أفراد الأسرة؛ بسبب الإفراط في استخدامها. أصبح أفراد الأسرة يمكثون في منزلٍ واحدٍ، وعقولهم خارج هذا المنزل، فمن ضمن أهم عوامل التوافق والترابط بين أفراد الأسرة هو قضاء الوقت سوياً، فقضاء الوقت مع الأسرة له آثار إيجابية على الصعيد النفسي والاجتماعي.
يخلق الجو الأسري الصحي توافقاً بين أفرادها، ويجعلهم أقل عرضة للإصابة بالأمراض النفسية. كذلك يجعلهم الجو الأسري الصحي قادرين على مواجهة ضغوطات الحياة عبر المشاركة والمساعدة، فنحن خُلقنا اجتماعيين بالطبع نحتاج أحياناً لأقرب الأقربين كي نفرغ الكلام العالق بين الحنجرة والفم، الهارب من ضوضاء الصدر ونلجأ إلى أفراد أسرتنا؛ ليخففوا الثقل والعبء المعاناة التي نشعر بها. قضاء الوقت مع الأسرة يشبع احتياجات الأفراد العاطفية والنفسية. يشعر المرء بالراحة والأمان والطمأنينة فغياب هذه الأشياء لها عواقب وخيمة، والكثير من المختصين اجمعوا على أن أكثرَ أفراد الأُسَر المتصدعة يتذمرون من أنهم لا يجدون الوقت الكافي للجلوس مع أبنائهم.
والأبناء الذين لا يقضون وقتهم مع الأسرة يعدون أكثر عرضة للحزن والكبت والكآبة، وتتملكهم العزلة وكثرة التفكير والقلق، وقد يحدث انجرافهم نحو المستنقع وممارسة عادات سلوكية منحرفة.
علينا أن نستخدم هذا التكنولوجيا بشكل مقنن ينعكس بالفائدة على حياتنا الأسرية، ولا نجعلها هادمة لمنازلنا؛ بسبب سوء استعمالها، أو الإفراط في استخدامها.
وقت الإنسان ثمين جداً عليه أن يحافظ عليه، ولا تهمل الأُسَر دور المشاركة الفاعلة في ما يحدث داخل المنزل، وقضاء الوقت مع بعضها البعض في جو عائلي يغمره التواصل الجيد وروح المودة العائلي.
مقالات سابقة للكاتب