إن القلق هو شعور ينتاب الإنسان بعدم الارتياح يصاحبه شيء من الضيق والخوف والتوتر ، كرد فعلٍ طبيعي لما يتعرض له من ضغوط حياتية أو عوامل أخرى معيشية أو أسرية ، فليس منا من لا يعاني من هذا الشعور والإحساس بالتوتر والقلق أحياناً في حياته ويسعى جاهداً للبحث للراحة والإطمئنان والسعادة.
حتى متى والحشا بالهم يحترقُ؟!
تكاد من زفرة الأحزان تختنقُ
تبيتُ ليلكَ بالآهات مفترشاً
بحراً من الدمعِ يُدْمي جفنكَ الأرَقُ
فَوّضْ أموركَ للرحمنِ وارضَ بهِ
هو الملاذُ إذا ما هدّكَ القَلَقُ
فثقْ بربّك واستبشرْ برحمتهِ
فكلُّ ليلٍ لهُ من بعده فلَقُ
◾️وتتعدد أسباب القلق التي تؤثر على الإنسان وتنهكه وتؤثر على حياته وتتنوع ومن أبرزها:
🔸 البعد عن الله عز وجل لقوله تعالى: ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ ).
فمن أعرض عن ذكر الله وتناساه في الدنيا ، فلا طمأنينة له ، ولا انشراح لصدره ، بل صدره [ ضيق ] حرج لضلاله ، وإن تنعم ظاهره ، ولبس ما شاء وأكل ما شاء ، وسكن حيث شاء ، فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى ، فهو سيبقى في قلق وحيرة من أمره ولا علاج له من ذلك إلا بذكر الله -تعالى- فإنه حياةٌ للقلوب وغذاءٌ للروح وطمأنينةٌ للنفس .
🔹 التكاسل عن أداء الصلاة فهو يورِثوا الهم والقلق ونجد أن النبي ﷺ يخاطب بلال بقوله ( أرحنا بها ) فهي مصدر الراحة والأنس والسكينة والطمأنينة :
وقل لبلال العزم من قلب صادقٍ
أرحنا بها إن كنت حقًا مصليا
توضأ بماء التوبة اليوم مخلصًا
به ترق أبواب الجنان الثمانيا
🔸 كثرة المشاكل فهي أبرز مسببات القلق في هذا العصر ومن أبرزها :
– القلق الزائد في التفكير بالمستقبل .
– ضيق المعيشة وغلاء الأسعار التي تؤثر سلبًا على راحة الإنسان وتجعله دائماً قلق.
– وقوع الإنسان في بعض المصائب الحياتية والمشاكل الأسرية .
🔹 عدم الاستقرار النفسي :
فإن للاستقرار النفسي الأثر البالغ في طرد القلق والنظر بإيجابية لحياته ومستقبله ولا دلّ على ذلك من موقف خديجة حينما قدِمَ عليها رسول الله ﷺ قلق النفس فأخذت تهدئ من روعه وتُطمئنُ نفسه وترفع من معنوياته .
🔸 عدم ترتيب الأولويات :
فإن وضع كل شئ في موضعه المناسب يساعد الإنسان على تنظيم حياته وترتيب وقته واستقرار نفسه وراحة باله وعدم تداخل أولوياته في بعضها ؛ فوضع كل شيئ في مرتبته بأن لا يؤخر ما حقه التقديم، أو يقدم ما حقه التأخير .
◾️ولعلاج القلق وطرده عن النفس يجب على المسلم أن يمتثل مايلي :
– تقوى الله سبحانه في السر والعلن.
– ذكر الله عز وجل في كل حين.
– أداء الصلوات الخمس جماعة بخشوع وطمأنينة وكذلك صلاة الاستخارة لما فيها من إظهار العجز والحاجة وتفويض الأمر إلى العليم الحكيم .
– الإكثار من الأعمال الصالحة من بر للوالدين وصيام تطوع وصلاة نافلة والتصدق على المحتاجين .
– قراءة القرآن وتدبر معانيه والاستجابة لما فيه من أوامر ونواهي.
– تذكير النفس بأنها لن تأخذ معها شيئا من حطام هذه الدنيا الفانية .
– لست وحدك الذي يقلق فكل الناس يقلقون .
– لا تنسى أن الصبر مع النصر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا .
– كن مطمئن البال متفائلاً في كل حال سهلاً لين المقال .
– عود نفسك على اللياقة البدنية والتمارين الرياضية .
– اشترك مع الآخرين في الأعمال الخيرية والمساهمات الدعوية .
وينبغي للمسلم أن لا تكون الدنيا هي أكبر همه ، وأن لا يجعل للقلق على رزقه مجالا للوصول إلى قلبه وعقله وإلا زاد ذلك من همه وتوتره وأن يجعل الآخرة نصب عينيه لما ثبت من حديث أنس رضي الله عنه قال : قال النبي ﷺ : ” من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه و جمع له شمله و أتته الدنيا و هي راغمة ، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه و فرق عليه شمله و لم يأته من الدنيا إلا ما قدر له “.
قال الإمام ابن القيِّم – رحمه الله – في كتابه “مدارج السالكين”: (٤٨١/٢) عند قوله تعالى : { الَّذين آمنوا وتطمئِنُّ قلوبهم بذكر الله ألا بذكرِ الله تطمئِنُّ القلوبُ }.
“فإذا اضطرب القلبُ وقلق ، فليس له ما يطمئنُّ به ، سوى ذكر الله .. وكان مِن دعاءِ بعضِ السَّلف :
اللَّهم هب لي نفسًا مطمئنَّةً إليك ..”٠
كُلُّ الصّعابِ بلطفِ اللهِ هيّنةٌ
طَمّن فُؤادَكَ لَا حزنٌ ولا قلَقُ
مقالات سابقة للكاتب