وصلٌ وقطيعة!!

جفّ الصفح، وغارت عيون الود؛ فتغلظت الأكباد، وقطعت أنفاس الوصال، و بات المرء غريبًا في داره، والجفاء جاره وجواره، قليلٌ في القلوب مقداره؛ فـنيران القطيعة أحرقت كلّ جميل، واستخرجت ضغائن الصدور؛ فأدار الرجلُ ظهره لأخيه، وأقصاه بعد دنو، وأخفضه بعد علو، وعاداه بعد خلة وألفة، وعشرة وأنس!

فيـا لله كيف يكون ذاك؟!
ألا يتغمد المرء أخيه بالعفو، ويبادره بالسلام، ويمهد له طريق العذر، ويتلافى عن زلته، ويسدُّ ثلمته، ويشفع له ماضيه الحسن، ومواقفه البراقه؟!

ألا تُستدرك الأمور قبل توسع فتقها، واشتداد صدعها، فَيُصلح الكسر، ويجبر المكسور، وتهدم سدود الصدود، و يعاد للصدور انشراحها وبهجتها،فتصفو الليالي بدفء الوصال، وتزهر الأيام باللقاء،وحسن العِشرة…

ما بالنا نجعل من الزلّة زلات، ولا نغسل الإساءة باحتساب الأجر، وكأن الرِّحم شيء هين لا قيمة لها وهي المعلقة بعرش الرحمان من وصلها فقد وصله ومن قطعها فقد قطعه!

لقد صارت حظوظ النفس- عند البعض- أعظم من صلة الأرحام الواجبة!

فالقاطع يَشْتطُّ في الغواية، ويتمادى في الجهالة، ويصعرّ الخد متباهيًّا بفعاله، يربي فرعونه حتى يتمردّ عليه فلا يُمسك حينها زمامه!

لا أعرفُ كيف لا يلين صاحب رحم لرحمه، وكيف له أن لا يرِّق، ويحثُّ الخطى للوصال؟

ألا ليت الغيظ يكتم، و يُكسب الأجر والوِد!
وليتنا نغض الطرف لتدوم الوشائج!

وقد قالت العرب:
” بلوا أرحامكم ولو بسلام “.

 

 

دولة بنت محمد الكناني

مقالات سابقة للكاتب

تعليق واحد على “وصلٌ وقطيعة!!

....

كلام في الصميم، وعبارات فصيحة، ومقال رصين، وإيحاز بليغ..
ليستمر هدا القلم البديع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *