وبعد سنوات من الاعتماد على مفهوم الشبكات الاجتماعية العامّة التي يُمكن من خلالها مُشاركة أي شيء، بدأت الشبكات الاجتماعية المُتخصصة بحصد النجاح ولعل انستغرام خير مثال على ذلك، دون نسيان يوتيوب أو فور سكوير بكل تأكيد.
ولم تكن الشبكات الاجتماعية وحدها المُحرّك الأساسي للمشهد التقني، فتطبيقات المُحادثات الفورية سحبت الضوء المُسلّط، وفي ليلة وضحاها ظهرت لنا تطبيقات مثل وتس اب، فايبر، لاين، تانجو أو جوجل هانج أوتس Hangouts كصيحة تقنية لاقت نجاحًا كبيرًا أيضًا.
بدأت الشبكات التقنية في التنبّه إلى هذه الصيحات وبدأت مُحاولات الدمج تظهر، وأدّى ذلك إلى ظهور تطبيقات مثل مسنجر من فيسبوك، وميّزة الرسائل المُباشرة Direct في انستغرام كنوع من المزج بين الشبكات الاجتماعية والمُحادثات الفورية وهو ما فتح الباب – من وجهة نظر شخصية – إلى الابتعاد قليلًا عن مفهوم الحياة الاجتماعية الافتراضية والاتجاه نحو المحادثات الفورية الاجتماعية.
أطلقت تويتر ميّزة الرسائل الخاصة وازدادت نسبة المُستخدمين مع مرور الوقت في الشبكة الاجتماعية التي بدأت تخسر مكانتها، ومؤخرًا أقدمت الشبكة على إزالة قيد عدد الحروف المسموح، ١٤٠ حرف، داخل هذه الرسائل مما أدى أيضًا إلى ارتفاع نسبة المُستخدمين من جديد.
فيسبوك في المُقابل ركّزت بشكل كبير على تطبيق مسنجر الذي بدأ بالتحوّل من تطبيق للمحادثات الفورية إلى منصّة اجتماعية للمحادثات الفورية بعدما وفّرت الشركة مجموعة من الخدمات مثل طلب سيارات الأُجرة أو حجز بطاقات السفر، وأخيرًا وليس آخرًا التطبيقات الصغيرة Bots التي تعمل داخل مسنجر لأتمتة بعض المهام، كما وفّرت الشركة إمكانية استخدام التطبيق دون حساب فيسبوك من خلال استخدام رقم الهاتف فقط.
أما شبكة انستغرام فوجدت هي الأُخرى في الرسائل المُباشرة وسيلة للربط بين الشبكات الاجتماعية والمحادثات الفورية، وأضافت خيار مُشاركة الصورة أو مقطع الفيديو مع بعض الأصدقاء فقط داخل الرسائل، إلى جانب إمكانية مُشاركتها مع جميع الأصدقاء كما كان الحال في السابق.
جوجل أيضًا كانت لها كلمة في هذا الصدد، حيث أعلنت مؤخرًا أنها بدأت باختبار ميّزة المحادثات بين المُستخدمين من خلال مُشاركة مقاطع الفيديو مع الأصدقاء داخل التطبيق٬ والابتعاد عن مُشاركتها على شبكات اجتماعية ثانية مثل فيسبوك أو تويتر، وهذه خطوة جاءت بعدما مُشاهدة خطوات الشركات الثانية، وهذا يعني إدراك أهمّية المُشاركة عبر المُحادثات الفورية وتناقص اهتمام المُستخدمين بالمشاركة عبر الشبكات الاجتماعية.
لن أذهب إلى الدراسات النفسية التي تتحدث عن التناقص التدريجي للذّة المُشاركة مع جميع الأصدقاء التي جلبتها شبكة فيسبوك، ولا إلى الدراسات التي تربط بين مُعدّل تفاعل الأصدقاء مع المُشاركات والشعور بالاكتئاب والحزن، لكن وبكل تأكيد بدأ مفهوم المحادثات الفورية بالسيطرة على حياتنا اليومية، وعادت لذّة المُشاركة مع مجموعة مُحددة من الأصدقاء تمامًا مثلما كان عليه الحال في السابق في عصر الرسائل القصيرة SMS والمجموعات البريدية وإعادة إرسال غرائب العالم عبر البريد الإلكتروني عندما كانت شبكة أبو نواف المصدر الرئيسي لمُعظم تلك الرسائل.
عدد مُستخدمي الشبكة لم يعد الأهم
قد يعتبر البعض أن نشر المُشاركات مع مجموعة مُحددة من الأصدقاء ما هو إلا ميّزة جديدة توفرها تلك الشبكات، وهي نظرة صحيحة، لكنها أيضًا تُلبّي مقياس جديد ظهر مؤخرًا ينسف تمامًا أهمية إجمالي عدد مُستخدمي الشبكة الاجتماعية.
خطوة يوتيوب الأخيرة تأتي كتأكيد على أهمية المحادثات الاجتماعية، لكنها تزيد أيضًا من حجم التفاعل داخل الشبكة الاجتماعية، وهو المقياس الجديد الذي يُنظر إليه لتقدير مُستوى نجاح أي شبكة أو مشروع في وقتنا الراهن.
مارك أيقن ذلك منذ مدّة، وعمل بقوة على زيادة اندماج المُستخدم داخل فيسبوك من خلال إطلاق المقالات الفورية، ومقاطع الفيديو بزواية ٣٦٠ درجة، ومؤخرًا الصور البانورامية، وبالتالي ضمن أن المُستخدم سوف يقضي وقتًا أطول داخل الشبكة مع اختفاء ظاهرة المُشاركة مع الجميع والاتجاه نحو المُشاركة عبر تطبيق مسنجر.
انستغرام أيضًا وجدت في الرسائل المُباشرة ضالتها، تمامًا مثل تويتر التي شهدت أسهمها انخفاضًا حادًا، لكن بعض التعديلات على الرسائل الخاصة فسح المجال أمام جاك دورسي، الرئيس التنفيذي الحالي لتويتر، لالتقاط الأنفاس والتفكير في الخطوة القادمة التي سوف تُنقذه وتُنقذ عرش تويتر الذي بدأ بالاهتزاز.
من خلال استخدامي الشخصي للشبكات الاجتماعية تخليّت تمامًا قبل مُدّة عن فيسبوك واقتصر استخدامي لمنتجات فيسبوك على تطبيق مسنجر، بالإضافة إلى واتساب، وانستغرام، وأصبحت أُفضّل مُشاركة ما يستهويني مع مجموعة محددة من الأصدقاء عبر تطبيقات المحادثات الفورية.
أخيرًا، تأتي هذه المقالة كوجهة نظر شخصية مبنية على استخدامي اليومي للشبكات الاجتماعية واحتكاكي بشكل أو بآخر بالتقنية، لكن يهمني أيضًا سماع عادة استخدام الشبكات الاجتماعية الخاصّة بكم، ومعرفة فيما إذا تغيّرت عما كانت عليه في السابق مع تزايد صيحة المحادثات الفورية الاجتماعية.