“سعد بن معاذ الأوسي الأنصاري“
سعد بن معاذ الأوسي الأنصاري و يكنى أبا عمر ، سيد الأوس ، بإسلامه دخل جميع رجال و نساء قبيلته من بني عبد الأشهل في الإسلام ، صحابي جليل من أهل المدينة ؛ عرش الرحمن اهتز عند وفاته و شهد جنازته سبعون ألف ملك.
قبل غزوة بدر جمع رسول الله أصحابه من المهاجرين و الأنصار ليشاورهم في الأمر و قال « أشيروا علي أيها الناس» فقام سعد و قال: يارسول الله آمنا بك و صدقناك و شهدنا أن ماجئت به هو الحق و أعطيناك مواثيقنا على السمع و الطاعة فامض يارسول الله لما أردت فنحن معك فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد و ما نكره أن تلقى بنا عدواً غداً إنا لصبر عند الحرب صدق عند اللقاء لعل الله يريك فينا ما تقر به عينك فسر بنا على بركة الله. [1]
فسَرّ رسول الله لقوله و قال « سيروا و أبشروا ، فإن الله وعدني إحدى الطائفتين و الله لكأني أنظر إلى مصرع القوم» ، و حمل سعد لواء الأوس في المعركة و أبلى بلاءً حسناً.
و روي أن سعد مر على أمه و السيدة عائشة بنت أبي بكر في غزوة الخندق و عليه درع له خرجت منها ذراعه و في يده حربة و هو ينشد: «لا بأس بالموت إذا حان الأجل» فقالت أم سعد: «الحق يابني قد و الله أخرت» فقالت عائشة: «يا أم سعد لوددت أن درع سعد أسبغ مما هي» فخافت أمه عليه فأصابه سهم في ذراعه فقطع أكحله (عرق من وسط الذراع) فقال سعد: «اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئاً فأبقني لها فإنه لا قوم أحب إلي أن أجاهدهم فيك من قوم آذوا نبيك و كذبوه و أخرجوه اللهم إن كنت وضعت الحرب بيننا و بينهم فاجعلها لي شهادة و لا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة» ، ثم حمل إلى المسجد فأقام له النبي خيمة فيه ليعوده من قريب ثم كواه النبي بالنار مرتين فانتفخت يده و نزف الدم ، فلما رأى سعد ذلك قال: «اللهم لا تخرج نفسي حتى تقر عيني من بني قريظة فما قطر عرقه قطرة بعدها».
و لما حاصر النبي بني قريظة طلبوا منه أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ، و كانوا مواليه و حلفاءه في الجاهلية ، فجاء سعد رسول الله مستنداً على حمار له ، فلما رآه قال: «قوموا إلى سيدكم فقاموا إليه فأنزلوه» فقال له النبي : «احكم فيهم» قال: «فإني أحكم أن تقتل الرجال و تقسم الأموال و تسبى الذراري» ، فقال : «لقد حكمت فيهم بحكم الله ورسوله» فلما قتل آخر رجل منهم انفجر الدم من عرقه و احتضنه النبي : «فجعلت الدماء تسيل على رسول الله و جعل أبو بكر و عمر يبكيان و يسترجعان» .
توفي و هو ابن ستة و ثلاثين سنة و عند وفاته جاء جبريل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فقال : من هذا العبد الصالح الذي مات ؟ فتحت له أبواب السماء ، و تحرك له العرش ، فخرج رسول الله -صلى الله عليه و سلم- ، فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه سعد فقال لأصحابه : انطلقوا إليه ، قال جابر : فخرج و خرجنا معه و أسرع حتى تقطعت شسوع نعالنا و سقطت أرديتنا فعجب الصحابة من سرعته فقال: «إني أخاف أن تسبقنا إليه الملائكة فتغسله كما غسلت حنظلة» فانتهى إلى البيت فإذا هو قد مات و أصحاب له يغسلونه و أمه تبكيه فقال النبي صلى الله عليه و سلم : «كل باكية تكذب إلا أم سعد».
ثم حملوه إلى قبره و لما وضع في قبره كبّر رسول الله و كبّر المسلمون حتى ارتج البقيع ، فقال رسول الله : «تضايق القبر على صاحبكم و ضم ضمة لو نجا منها أحد لنجا سعد» .