قصة حدثت مع أحد المسلمين الصائمين ، ومفادها أنه قد أصيب أحدهم بوعكة فذهب إلى طبيب غير مسلم فنصحة أن يمارس الرياضة ويلتزم بحمية قررها الطبيب له لمدة معينة ، و من ثم يأتيه بعد انقضاء هذه المدة كمراجعة ليعرف نتيجة ماقام به ومدى الفائدة من هذا العلاج ، وللمصادفة كان شهر رمضان المبارك قد أطل في ذلك الحين فقرر الرجل أن يلتزم بالصوم مع عدم الإفراط في الأكل خلال وجبتي الإفطار والسحور و كان الأمر كذلك ..
عندما انقضى شهر رمضان مع انقضاء المدة التي حددها الطبيب له ذهب إليه ، فلما كشف عنه الطبيب انبهر من النتيجة فسأل الطبيب ذلك الرجل عن نوع الحمية التي فعلها و مدى إلتزامه بها ، فقال الرجل لم أفعل شيء سوى أنني صمت رمضان و هو شهر نصومه كل عام؛ فتعجب الطبيب أيما عجب لهذه النتيجة التي لم يكن يتوقعها ، و قد قال البعض أن ذلك الطبيب قد أسلم حينما رأى ما أبهره في قصة الرجل .
إذاً عندما خلق الله الخلق وهو أعلم بهم وبما ينفعهم ويصلحهم فقد فرض الله على المسلمين الصيام بعد أحد عشر شهراً من الأكل ، فالمعدة هي بيت الداء كما أخبر الرسول الكريم الذي لا ينطق عن الهوى ، و قد أثبت الطب الحديث ذلك أيضاً ، فالأكل المفرط يسبب مشاكل صحية كثيرة.
و نحن نرى للأسف عند قدوم شهر رمضان كيف يتهافت الناس على محلات بيع المواد الغذائية ، وكأنهم كانوا في جوع وسُمح لهم في هذا الشهر بالأكل؛ على الرغم من أن العكس هو الصحيح ، والكل يوافقني الرأي لو جردنا الأراء من الأهواء واعترفنا بالحقيقة المجردة …
وحين قال الله في كتابه العزيز (الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد) ، فقد دلنا على ما ينفعنا في ديننا ودنيانا وعاقبة أمرنا فالصوم مفيد لكل أمورنا مادياً ومعنوياً وصحياً …
ألا ترون أن معظم الأمراض تختفي أو تقل في شهر رمضان المبارك مع كل من التزم السنة في الصيام ، ولكن العكس يحدث مع من ظن أن شهر الصوم هو للأكل والتفنن في أنواع الأطعمة والأشربة ، فنرى بعض ربات البيوت للأسف يدخلن إلى المطبخ من بعد صلاة الظهر و حتى وقت الإفطار وربما يكون هذا الوقت لا يكفي للبعض ، فما الذي استفدناه من صومنا إذا كان هذا هو حالنا في رمضان .
رمضان شهر العبادة ولا يمكن أن يقوى الانسان على العبادة في حال امتلاء المعدة حتى النهاية ، فأين إذاً إلتزامنا بحديث سيدنا محمد (ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لابد فاعلاً فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه) رواه الترمذي وحسنه.
فالإسراف في رمضان بعد عن تعاليم سيدنا محمد أولاً ، و ثانياً هو إضرار بالصحة وجلب للمشاكل الصحية ونحن في أشد الحاجة إلى تجنب هذه الآفات حتى تستقيم الحياة ، فكم رأينا من أنواع الأمراض المستعصية ومعظمها نتيجة الإفراط في المأكل والمشرب وعدم المبالاة والأخذ بالحمية التي هي أصل الدواء .
نحن هنا لا ندعو إلى تجويع الانسان بل الاقتصاد في المأكل ، و قول الله تعالى : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) هذا دستور حياة إن التزم الإنسان به عاش في سلام و أمن وصحة و راحة بال ، والله سبحانه وتعالى حكيم في جميع أموره فلم يكلف العباد ما لا يطيقون .
و إجابة دواعي النفس و الشهوة هي من الأمور التي تأتي بما لا يحمد عقباه ، فيجب على الإنسان مقاومة هوى النفس فكم من طائع لهواه قد تردى إلى مهاوي الردى ، و في النهاية فقد قال الله تعالى (وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون) ، وكذلك تأملت كثيراً في هذه الآية (وان تصوموا خير لكم) فوجدت رحمة ربي وسعت كل شيء حين اختار لنا ما ينفعنا و جنبنا بأوامره ما يضرنا.
فاللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعة و أرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، ولا تؤاخذنا بسوء أعمالنا وتجاوز عنا بفضلك وكرمك ، وتقبل الصيام والقيام وسائر الطاعات و أعنا فأنك أنت المعين يارب ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
إبراهيم يحيى أبو ليلى
مقالات سابقة للكاتب