في أمسية متميزة بتميز موضوعها؛ استقبلت أسبوعية الدكتور عبد المحسن القحطاني، الدكتور/ فواز بن علي بن جنيدب الدهاس؛ المدير العام السابق لمركز تاريخ مكة المكرمة (التابع لدارة الملك عبد العزير)، ليلقي محاضرة بعنوان “مكة المكرمة: القداسة المكانية والحدود الشرعية”.
وقد أدار الأمسية الأديب والمؤرخ الدكتور يوسف العارف، الذي بدأها بالإشارة إلى السيرة المشرفة للضيف ابن مكة وابن حي المعابدة العريق الذي يصف نفسه “عاشقٌ لتاريخ مكة”، حيثُ تلقى تعليمه الابتدائي في المدرسة المحمدية بالمعابدة؛ والمتوسطة بالمدرسة السعودية في جدة؛ والثانوية في المدرسة العزيزية بمكة؛ ثم إلى كلية الشريعة بمكة التي تخرج منها عام ١٣٩٤هـ؛ وعُيّنَ معيدًا عام ١٣٩٥هـ؛ ثم ابتعث إلى بريطانيا لتحضير الماجستير والدكتوراة في التاريخ من جامعة إكسيتر؛ وعاد عام ١٤٠٤هـ، كأستاذ للدراسات التاريخية والآثار في جامعة أم القرى حتى التقاعد عام ١٤٣٥هـ..
وكان في تلك الفترة رئيسا لقسم التاريخ لفترتين متتاليتين؛ ثم وكيلا لعمادة شؤون الطلاب ثم عميدًا لشؤون الطلاب؛ ثم مشرفًا عامًا لإدارة المتاحف في الجامعة؛ وأشرف على عدة لجان: كمكتبة الجامعة ولجنة المخطوطات ووضع مناهج قسم التاريخ، وعضوًا في الهيئة الاستشارية للسياحة والتراث الوطني؛ وعضوًا في التنمية السياحية لإمارة مكة المكرمة، وفي ديسمبر 2017 صدر قرار معالي الأمين العام لدارة الملك عبد العزيز الدكتور/ فهد بن عبد الله السماري بتكليف د. فواز الدهاس مديرًا عامًا لمركز تاريخ مكة المكرمة.
بعضُ مؤلفاته من كتب وبحوث ومقالات: المسجد الحرام المكان والمكانة، المدارس في مكة خلال العصرين الأيوبي والمملوكي، الدور القيادي لمكة المكرمة خلال العصر الأموي 40 هـ – 132هـ، المدينة المنورة كما يصورها الرحالة الإيطالي لودفيكو دي فارتيما، زمزم: النشأة والتاريخ، ذكريات طائفية.
ثم قدم د. عبد المحسن كلمته مرحبا بالضيوف الذين يزورون الأسبوعية لأول مرة خاصة الضيوف من مرصد حلوان الجيولوجي، ومشيداً بقيام نادي الطائف الأدبي بإطلاق اسم الراحل “د. عالي القرشي” على قاعته الرئيسية، ثم أشار إلى علاقته القديمة بالضيف “أبي بندر” منذ كانا زميلي دراسة في بريطانيا، وأنه عنده عشق وهيام بمكة، وكيف لا وأصوله عاشوا بمكة منذ أكثر من ستة قرون، وفي مجالسته أحاديث ماتعة وطرائف عن لحمة أهل مكة، وهو باحث صاحب تحقيق وتدقيق، تعلم كيف يكتب التاريخ بطريقة حيادية.
ثم بدأ الدهاس محاضرته بأن مكة متفردة عن جميع المدن، وأن قدسية مكة المكرمة تأتي من تكريم الله سبحانه وتعالى لها بوجود أول بيت له فيها؛ يقول الله تعالى ” إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين ” وقد سميت في القرآن الكريم مكة وبكة وأم القرى والبلد الأمين، وكل هذه الأسماء تؤكد قدسية أرض مكة؛ فأم القرى هي الأصل الذي تتفرع عنه الفروع، خاصة وأن مكة أقدم مدن العالم، وأقدم بقعة في الأرض عرفت أحقاب طويلة قبل عهد سيدنا إبراهيم عليه السلام كبيت للعبادة كما يقال؛ يقول الله تعالى ” وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم “، فهي صرة العالم ومركز الكون.
كما أنَّ مكة المكرمة تعد مركز الحضارة الإسلامية بمختلف جوانبها الثقافية والاجتماعية والعقائدية؛ باعتبارها قبلة المسلمين ومكان حجهم وعمرتهم في كل دول العالم، وقد تكفل الله برزقها من لدنه، كما تمتاز مكة بمائها المقدس المنحدر من نبع زمزم الذي شرب منه سيدنا إسماعيل علية السلام وأمه؛ والذي يروي زائري مكة حتى اليوم.
وعن موقع مكة وحدودها بيَّن الدكتور “الدهاس” أن مكة تقع في قلب ووسط الأرض، ثم إن وادي إبراهيم يشق مكة من الشمال للجنوب، ويقسّمها قسمين، من الشرق جبال، ومن الغرب جبال، ومكة هي شكل بيضاوي من الشمال للجنوب، أطول منها من الشرق إلى الغرب. قائلاً إن “أنصاب الحرم، أو حدوده وأعلامه، موجودة منذ قدم التاريخ، فحدود مكة من عند الله ولم يضعها بشر، لذا فهي توقيفية لا تقبل التغيير، ويعتبر سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام، أول من وضع أنصاب الحرم على حدوده وعلى رؤوس الجبال”، حتى جددها النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة، فأمر تميم بن أسد الخزاعي بعمل ذلك، وأوضح أن “للحرم علامات مبنية في جوانبه الأربعة، وما زالت موجودة حتى اليوم.
ثم أشار المحاضر إلى أنَّ الخلفاء الراشدين ومن بعدهم بنو أميه ثم العباسيون استمروا بالقيام بهذه المهمة، حيث اهتموا بتحديد الأعلام على مداخل مكة المكرمة”. وأوضح أن عدد الأعلام التي على رؤوس الجبال بلغت 1104 في جهاتها الأربع، منها في الحد الشمالي 650 علماً وفي الحد الجنوبي 299 أما الحد الغربي فقد كان هناك 38 علماً، وتابع: “يُلاحظ الدقة في وضع هذه الأعلام على قمم تلك الجبال المحيطة بالحرم الشريف، فقد نصبت على نقطة تقسيم المياه على كل جبل، بحيث لو سكبت ماء على هذه النقطة لسال الماء يمنة ويسرة. وقد بنيت هذه الأعلام من حجارة تختلف عن حجارة الجبل نفسه”.
وأضاف “الدهاس”: في الدولة السعودية بدأت مرحلة وضع الحدود بعَلمَين في عهد الملك عبد العزيز على طريق جدة القديم؛ وفي عام 1376هـ في عهد الملك سعود بُني عَلمان جديدان على طريق الطائف – السيل في الشرائع الآن. وفي عهد الملك خالد بُني 4 أعلام، اثنان على طريق الطائف من جهة عرفة – الهدا، واثنان على طريق جدة القديم. وفي عام 1404 هـ في عهد الملك فهد عُمل عَلمان على طريق جهة التنعيم، وزاد 14 عَلمًا في عام 1423 هـ على مداخل مكة الرئيسية، وفي عهد الملك عبد الله – رحمهم الله جميعًا – وُضعت أعلام على شكل دائري بجوار الأولى على طريق جدة السريع.
ثم فُتح باب الحوار للمداخلين، حيث شارك فيه مجموعة من الحضور منهم: د. محمود الثمالي، د. شوقي السباعي، عبد الوهاب أبو زنادة، د. جمعان الغامدي، إحسان طيب، غياث عبد الباقي، د. اسماعيل كتبخانة، مشعل الحارثي، مهدي جابر الفاهمي، حماد السالمي، د. مساعد السحيمي، معالي د. عبد الله المعطاني، خالد الحسيني، م. سعيد فرحة الغامدي، حسين الغامدي، والسفير محمد طيب.
وفي الختام قامت الأسبوعية كعادتها بتقديم شهادتي تكريم لضيفي الأمسية، قدمها معالي “د. عبد الله المعطاني” للمحاضر، والأستاذ “د. إسماعيل كتبخانة” لمقدم الأمسية.