عبادة من أعظم العبادات وقربة من أجلّ القربات واحبها إلى الله سبحانه وتعالى .
وقد دعا إليها الإسلام قرآناً وسنةً وسلفاً صالحاً، تتجلى فيها أجمل مظاهر الترابط والتلاحم والتآزر والتعاضد ليصبح المجتمع المسلم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً فما أجملها من عبادة وما أعظم أثرها .
وهي من أجمل وأكمل صفات المسلمين ومن أعظم الأخلاق الحميدة، وتجسيداً لأسمى معاني الألفة والمحبه والتواضع والتجاوز والتسامح وتتجلى في قوله سبحانه {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} وتستكمل بها منظومة بناء الأمه كالجسد الواحد، فهي عبادة جليلة وأدب رفيع لا يتحلى به إلا أصحاب القلوب السليمه و الأخلاق الراقية إنها صفة المتقين وأهل جنة النعيم قال تعالى : {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ}.
إنها المساندة في أجمل وأبهى صورها وجميع أنواعها وأشكالها تطييباً لقلب أخيك ودعمه لمواجهة مصاعب الدنيا ونوائب الدهر ؛ وتجاوز المحن والصعاب وما أكثرها في زماننا هذا ووقوفك معه حتى يتجاوز محنته.
يقول الإمام سفيان الثوري – رحمه الله – : “ما رأيت عبادة يتقرب بها العبد إلي ربه مثل جبر خاطر أخيه المسلم”.
وكلمة الجبر مأخوذة من اسم الله الجبار، فهو الذي يجبرك عندما تلجأ إليه بكسرِك فهو الذي يُجبِر المنكسرين.
وهذا الاسم بمعناه الرائع يُطمئنُ القلبَ ويريحُ النفس فهو سُبْحَانَهُ “الذِي يَجْبُرُ الفَقرَ بِالغِنَى، والمَرَضَ بِالصِحَّةِ، والخَيبَةَ والفَشَلَ بالتَّوْفِيقِ والأَمَلِ، والخَوفَ والحزنَ بالأَمنِ والاطمِئنَانِ، فَهُوَ جَبَّارٌ مُتصِفٌ بِكَثْرَةِ جَبْرِهِ حَوَائِجَ الخَلَائِقِ”.
وكان الرسول -عليه الصلاة والسلام- من أكثر الناس حرصاً على جبر الخواطر، ويعتبر جبر الخاطر من الأمور التي تعين الناس على الصبر والتحمل، والتي لها أثر عظيم بين المسلمين لبناء المجتمع المسلم.
يعتبر “جبر الخاطر” باب من أبواب المواساة للناس، في مشاركتهم أفراحهم وأحزانهم.
وإدخال السرور لقلوب الناس، وإزاحة ما أهمهم من أمور الدنيا، وتيسير كل أمر صعب لديهم.
وسد حاجات الناس، فهناك من يحتاج للمال، ومنهم من يحتاج لعمل ووظيفة، ومن تكون حاجته لدفع ظلم عنه، وهناك من يحتاج للكلمة الطيبة .
ومن يكون في حاجة أخيه المسلم، يكن الله -عز وجل- في حاجته، ويقف إلى جانبه، ويكسب محبته له.
وكذلك من آثار جبر الخواطر تقوية العلاقات بين الناس، وبث روح الأخوة بينهم، والدعوة إلى الألفة والمحبة.
ونيل رضا الله -تعالى- ومحبته، مما يجعل صاحبها من المسرورين يوم القيامة.
وكذلك إزاحة الحقد والغيظ من قلوب البعض لعدم قدرتهم لقضاء حوائجهم، أو ما أصابهم من هموم.
وكسب قلوب الناس ومحبتهم، من خلال ملاطفتهم في القول، لجبر خاطرهم، قال -تعالى-:{قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى ۗ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ}.
وقوله -عليه الصلاة والسلام-: (والكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ).
إلى غير ذلك من الآثار المترتبة على هذه العبادة العظيمة.
ومن أشكالها التسامح والعفو وتجاوز الزلات مما يدل على سمو نفس وعظمة قلب وسلامة صدر ورجاحة عقل،
قال ﷺ : ما نقصت صدقةٌ من مالٍ ، وما زاد اللهُ عبدًا بعفوٍ إلا عزًّا ، وما تواضع عبدٌ إلا رفعه اللهُ
ويقول جل وعلا: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشورى:40]،
مَن عاد مريضًا لم يحضُرْه أجَلُه فقال عندَه سَبْعَ مرَّاتٍ: أسأَلُ اللهَ العظيمَ ربَّ العَرْشِ العظيمِ أن يَشفِيَك، عافاه اللهُ مِن ذلكَ المرَضِ.
ما مِن مُسلِمٍ يعودُ مُسلِمًا غدوةً ؛ إلَّا صلَّى عليهِ سَبعونَ ألفَ مَلَكٍ حتَّى يُمْسِيَ ، وإن عاد عَشيَّةً ؛ إلَّا صلَّى عليهِ سَبعونَ ألفَ مَلَكٍ حتَّى يُصْبِحَ ، وكان لهُ خَريفٌ في الجنَّةِ .
«لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه».
«مَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ».
«وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ». ولذا يقول بعضهم: «من مشى في حاجة أخيه جبرًا للخاطر، نال معية الله في المخاطِر».
وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنكُمْ وَأَنتُم مُّعْرِضُونَ (83).
عبدالله مالك مسعودي
مقالات سابقة للكاتب