“أم محجن“
كانت امرأة من ضعفة المدينة ، لم يرد لها في الصحيح تسمية سوى (أم محجن) ، كانت في زمرة المساكين و المستضعفين الذين عادة ما ينظر إليهم بازدراء ، ولا يفتقدون إذا غابوا، بل إنهم في المجتمعات المادية المعاصرة يُنظر إليهم كعبء ثقيل وربما تعرضوا للإهانة والملاحقة وتركوا للجوع والتشرد.
لكن الوضع يختلف في مجتمع يحكم بشريعة الله، ويهتدي بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، إنها عجوز ضعيفة سوداء لكنها عاشت في أيام محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يحب المساكين، ويتعاهد الضعفة والفقراء ويديم الجلوس إليهم والسؤال عنهم.
كانت رضي الله عنها تؤدي عملاً عظيماً تبتغي به وجه الله، فتلتقط الخرق والقذى والعيدان من المسجد وتُـلقي بها في أماكنها؛ حرصاً على نظافة بيت الله وتهيئته للعبادة والذكر وتخريج الأبطال الفاتحين.
استمرت (أم محجن) تخدم بيت الله وتعتني به، حتى أدركتها المنية فحملها الصحابة رضي الله عنهم بعد العتمة، ولما وجدوا (رسول الله صلى الله عليه وسلم نائماً كرهوا أن يوقظوه، فصلوا عليها ودفنوها ببقيع الغرقد، ففقدها عليه الصلاة والسلام فهي مهمةٌ عنده ؛ فقدها نبي الرحمة وسأل أين أم محجن فقالوا ماتت يا رسول فقال هلا أذنتموني ؟ قالوا لقد ماتت بليل وكرهنا أن نوقظك فقال دلوني على قبرها فخرج ومعه الصحابة حتى وقف على قبرها فصلى عليها ودعا لها .
وهكذا ضرب (النبي صلى الله عليه وسلم) للبشرية مثلاً عملياً في التواضع والرحمة والمساواة، ويجدُر بعالم اليوم أن يعلمه ويهتدي به، فيحسن إلى المستضعفين وينمي دورهم الإيجابي في المجتمع والأمة.
أم محجن قدمت لنا درساً عندما أسهمت على قدر طاقتها في خدمة دينها وأمتها، ولم تحقر من المعروف شيئاً و لو أن تلم القمامة من المسجد رضي الله عنها .