مصابيح الهدى (٢٠) : سالم مولى أبي حذيفة

سالم مولى أبي حذيفة

هو رقيق من بلاد فارس اشتراه أبو حُذيفة ثم أعتقه و تبناه فصار ابناً له ثم أخاً ثم رفيقاً له .

كان سالم إماماً للمهاجرين من مكة إلى المدينة و طوال صلاتهم في مسجد قباء وكان فيهم عمر بن الخطاب وذلك لأنه أقرأهم، وأوصى الرسول أصحابه قائلاً : (خذوا القرآن من أربعة: عبد الله بن مسعود، وسالم مولى أبى حذيفة  وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل).

عن عائشة ام المؤمنين  أنّها قالت : (احتبستُ على رسول الله فقال: ما حَبَسَكِ ؟ قالت: سمعت في المسجد قارئاً يقرأ فذكرتُ من حُسْنِ قراءته، فأخذ رسول الله رِداءَه وخرج، فإذا هو سالم مولى أبي حذيفة فقال: الحمدُ لله الذي جعل في أمتي مثلك) .

كان سالم ملتقى لكل فضائل الإسلام الرشيد ، كانت الفضائل تزدحم فيه وحوله وكان إيمانه العميق الصادق ينسّقها أجمل تنسيق ، وكان من أبرز مزاياه الجهر بما يراه حقاً.

وفي معركة اليمامة تعانق الأخوان سالم وأبو حذيفة، وتعاهدا على الشهادة وقذفا نفسيهما في الخضم الرهيب، كان أبو حذيفة يصيح : (يا أهل القرآن، زينوا القرآن بأعمالكم) ، و سالم يصيح : (بئس حامل القرآن أنا لو هوجم المسلمون من قِبَلِي) وسيفهما كانا يضربان كالعاصفة ، وحمل سالم الراية بعد أن سقط زيد بن الخطاب قتيلاً ، فهوى سيف من سيوف الردة على يمناه فبترها، فحمل الراية بيسراه وهو يصيح تاليا الآية : (وكأيّ من نبي قاتل معه ربيّون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين).

وأحاطت به غاشية من المرتدين فسقط البطل، ولكن روحه ظلت في جسده حتى نهاية المعركة، ووجده المسلمون في النزع الأخير، فسألهم: (ما فعل أبو حذيفة؟) قالوا: (استشهد) قال: (فأضجعوني إلى جواره) قالوا : (إنه إلى جوارك يا سالم، لقد استشهد في نفس المكان!) ، وابتسم ابتسامته الأخيرة وسكت، فقد أدرك هو وصاحبه ما كانا يرجوان، معاً أسلما، ومعاً عاشا، ومعاً استشهدا، وذلك في عام 12 هـ.

وذهب إلى الله ذلك المؤمن الذي قال عنه عمر بن الخطاب ، و هو يموت : لو كان سالم حيّاً لوليته الأمر من بعدي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *