كان ذلك الشخص باكستاني الجنسية يصلي على يميني في صلاة الفجر لهذا اليوم ، فلما انتهت الصلاة ، أخذ يقرأ بعض الأذكار ثم نهض وأخذ يجمع قوارير الماء البلاستيكية الفارغه التي كانت ملقاة على سجاد الصلاة أمامنا ليضعها في المكان المخصص للنفايات في المسجد.
هنا تأكد لي أن فعله هذا نابع عن إيمان عميق ، وفهم للدين دقيق ، كيف وقد قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم : ( الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة ، فأفضلها قول لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان ) .
أمام هذا المشهد الإيماني الاستباقي ، والسلوك الحضاري الراقي ؛ تبادر إلى ذهني الكثير من الأسئلة؟؟؟؟؟؟
أين أولئك الذين تركوا وراءهم هذه المخلفات في أحب الأماكن إلى الله ، في المكان الذي تقام فيه أعظم شعيرة في الإسلام وقد أُمرنا بالعناية بها والمحافظة عليها وتطهيرها ، وقد قال سبحانه وتعالى : ( ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ) ، أين هم من فعل ذلك الرجل النبيل؟!.
لماذا كان هؤلاء سلبيين وكان هذا الرجل النبيل الراقي إيجابيا ومستشعراً لعظمة هذا المكان ؟!.
لماذا نرى في محيطنا وبيئتنا مشاهد وصور مكررة تتشابه مع فعل هؤلاء السلبيين ؟!.
فهذا يرمي الفضلات من نافذة سيارته في الشارع العام غير آبه بالحقوق الخاصة والعامة للمجتمع في سلامة ونظافة الشوارع والأمكنة ، وذاك بعد أن أنهى نزهته في أحد الأمكان الخلابة الجميلة ، أو بعد أن استمتع بتلك الحديقة المزهرة الرائعة ؛ شوه المكان وترك خلفه المخلفات والفضلات ، ولوث البيئة بحيث يصعب على من يأتي بعده أن يستمتع بالمكان.
أين هؤلاء من قول رسول الله صلى عليه وسلم : ( عرضت علي أعمال أمتي حسنها وسيئها ، فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطريق ) ؛ فكيف وهم يضعونه في الطريق ؟؟!!
وأين هم من قوله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله جميل يحب الجمال ) ؛ كيف وهم قد عاثوا في هذا الجمال فساداً ؟؟!!
أخي الحبيب رعاك الله اعلم أن النظافة بوابة كبرى للجمال في كل شيء ، سواء في النظافة الشخصية أو نظافة المساجد والأماكن والشوارع ، ويتعين ذلك ويتأكد في المساجد الذي قال فيها الله جل وعلا : ( في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه…).
وبدون أدنى شك إنه لو استشعر كل فرد دوره في نظافة المكان الذي يتواجد فيه ، ونظافة بيئته التي يعيش فيها ، لما احتاج المجتمع لذلك الكم الهائل من عمال ومعدات النظافة الضخمة التي تعمل على معالجة تلك العادات السيئة في سلوكيات الكثير من الأفراد ، ولعمل ذلك الفعل الإيجابي على المحافظة على نظافة الوطن ، وقاد إلى توفير الهدر المالي الذي يذهب لذلك القطاع.
ختاماً : إن مشهد ذلك الرجل الباكستاني في المسجد ؛ حرك في داخلي المشاعر الإيجابية ، وجعلني أحلم بالمجتمع المثالي الذي يعرف من خلاله كل فرد دوره ومسئوليته المناطة بها في المساهمة في نهضة وطنه وأمته.
نوار بن دهري
[email protected]
مقالات سابقة للكاتب