عاش حياته بعزلة عن الجميع لايؤذي أحداً أو يتحدث عن أحد من منزله إلى عمله لم يكن اجتماعياً بشكل كبير ولكنه يقوم بالواجب مع الجميع وإن لم يقم بالواجب لايؤذي أحد ، وقف مع الجميع في ظروفهم ومآسيهم ، كان كريماً مع الجميع وإن حرم نفسه كل شي كان يزور المرضى ولم يشعر بمرضه كان يظن أن ما يشعر به أعراض عابره ليس لها تاثير لا أدري ماذا كان يشعر ولكنه بدأ منذ سنة يوصي زوجته قائلاً أوصيك بأولادي يا منها بهم كانت تتعجب ما باله ولماذا يوصيني بهم هكذا ليس من عادته لم تفكر أنه سيرحل عنهم وإن القدر هو من ينطقه بدأ بالتقرب لله أكثر وأكثر وصوته يصدح بقراءة القران ويقوم الليل للصلاة وفي يوماً بدأ يقول أشعر بمرارة بفمي لا اعلم ما بي ولكن المرارة تقتلني أريد شي حلو كي تضيع المرارة التي أعاني منها ولكنه يشرب ذاك العصير ولا يشعر بحلاوته فيقول أضيفوا السكر فأنا لا أتذوق شيء !! ويشرب ثم يشرب دون جدوى ولكنه شعر بالدوار لم يستطع التوازن شعرت زوجته بالخوف قالت له يجب أن تذهب للطبيب رغم أنه لم يكن مهتم ولكنه ذهب معها ما إن وصل الى المستشفى قاموا بقياس ضغطه فوجدوه هابط جداً وأجريت له التحاليل ليتفاجئوا أنه يعاني من مرض السكر الذي دمر أعضاء جسده دون أن يشعر وأصبح يعاني من فشل وظائف كليته وقتها قرر الطبيب أن يدخله العناية المركزه أجهش بالبكاء وهو يمسك بزوجته لا تتركيني وحدي لا أريد ان أنام هنا وكأنه كان يشعر انه سيدخل ولن يخرج احابته وهي تطمنه لا تخف ستظبط أمورك وتعود صحتك ثم تعود للمنزل ما بالك هكذا خايف ثم جلست امام غرفة العنايه وهي تشعر بالخوف والقلق وحال لسانها لا أعرف كيف أحميك ولكني استودعك الله الذي لا تضيع ودائعه ، لم يدم مرضه طويلاً ولكن سرعان ما تسارعت الأحداث كانت تذهب صباح كل يوم لتجلس أمام غرفة العنايه فقط تدعوا له تحضر له العلاج تدعوا الله ان يشفيه وكانت تدخل له كل يوم للعنايه تتفقده وهو يذرف الدموع ويقول لها انا وحدي اريد بيتي لا تتركوني هنا وهي تطمئنه لا تخف ستعود وانت بخير ، قال أريد ماء أشعر بالجوع أتمنى ان احتسي قليلاً من المرق ، أخذت الماء وأرادت أن تسقيه ولكنه تغرغر بالماء ولم ينزل من حلقه هل كانت غرغرة الروح لم يستطع الأكل كل شي لا يصل الى معدته وكان الأمل كبير كل شي سيصبح على ما يرام، بدأ يتماثل للشفاء وفرح الجمبع ولكن فجأه تسارعت الأحداث انتكس وارتفع السكر بشكل جنوني ماذا حدث جلطة بقلبه فشل كبده دخل بغيبوبة كبديه أصبح على تنفس صناعي هنا كانت الصدمه الجميع ينتظر خروجه من المستشفى ولكنه خرج جثة هامده كانت زوجته تشعر بالألم بالخوف يارب احفظه لي ولأولاده ، يارب لا ترنيي مكروها فيه ، تجلس أمام العنايه تدعوا الله وحدها هي وابنه الوحيد ، وفي يوما عادت في الظهر لتصلي ثم تعود واذا بها تسمع صوت أخيه يشهق بالبكاء أسرعت هي وأبنائها الى الباب تسأله لما تبكي ما بالك لم يجبها وصعد إلى منزله وهي تشهق بشده لم تعلم ما به ولكن هناك شي مخيف تشعر به في قلبها.
وقتها رن الهاتف هرعت إليه واذا بها أختها قالت لها أريدك أن تحضري للمشفى أنتي وأبنائك قالت لها لماذا هل زوجي به شي قال لها لا فقط يشعر بالبرد احضري معك بطانية لتدفئته شعرت بالخوف قالت لها تكلمي هل مات؟ردت عليها لا لم يمت لانها لا تعرف كيف تبلغها الخبر لقد مات نعم مات ولكن كيف اقول لها.
ذهبت زوجته وأبنائه بهرولون ويدعون الله أن يأتوا وهو بخير وأنه لم يمت وما أن وصلوا المشفى حتى علموا أنه مات نعم مات نعم البطانيه لكي يحملونه للمغسله لم يكن بردنا ولكنه مات توقفت الأجهزه ذهبت الروح لباريها مات بين جدران المستشفى انهار الجميع بدأ الابناء بالصراخ رحل أباهم عنهم دون إنذار .
صدح ابنه بصوت يدمي القلب لقد مات أبي وهو يشعر بالجوع والعطش كانت كلماته محزنه للغاية انهارت زوجته كانت تحاول التماسك من أجل أبنائها ولكن لم تستطيع لقد رحل زوجي رحل شريك حياتي رحل من كان ظلي في هذه الحياه.
عاد الجميع للمنزل ليعود هو الى قبره ، حُمل على الأكتاف وصلى عليه الجميع تجمع الاهل والجيران والاصدقاء لقدمات الطيب لقد مات من عاش بحاله عاش بهدوء ورحل بهدوء دون ان يزعج احد ، حزن الجميع لموته.
مات الرجل الذي كان يزور المرضى خوفاً أن يموتوا دون أن يودعهم ولا يعلم انه هو من سيموت ، مات وقد أوصى زوجته بأبنائه ولا يعلم أنها الوصية الأخيره ترك بيته وأبنائه وزوجته ورحل الى من هو ارحم منهم .
صدق الله حين قال : {وَما تَدْرِي نَفْسٌ بأيّ أرْضٍ تَمُوتُ}.
اللهم ارحمه واغفر له ويمن كتابه وارحمنا اذا سرنا اليك.
مارية بنت عبدالسلام المخلافي
مقالات سابقة للكاتب