قال الله تعالى في شأن الماء (وجعلنا من الماء كل شيء حي) فسبحان مدبر الكون الذي خلق فأبدع ما خلق …
إذا تأملنا مما تتكون ذرات الماء لوجدنا عجباً ، فالماء يتكون من ذرتين هيدروجين و ذرة أكسجين ، و كما نعلم فإن الهيدروجين غاز شديد الاشتعال و الشمس و النجوم المستعرة معظم ذراتها من الهيدروجين ، و الأكسجين غاز مساعد على الاشتعال ، فسبحان من كوّن الماء الذي يطفيء النار من ذرات أصل أحدها مشتعل و الآخر مساعد على الاشتعال؛ فسبحان الذي جمع بين المتضادات و سبحانه هو الذي جعل كذلك بين البحرين حاجزاً و حجراً محجوراً لا يبغي أحدهما على الآخر …
و ليسأل كل ذي عقل سليم نفسه من الذي كوّن هذا الخليط العجيب حتى أصبحت كل المخلوقات الحية لا تستطيع العيش إلا به و لا غنى لها عنه ، فهل المصادفة تفعل ذلك أم هل الطبيعة الخرساء العمياء التي يؤمن بها كل من أهان عقله الذي أنعم الله به عليه تستطيع خلق عالم بهذه الدقة و بهذا الإبداع و التأليف بين المتضادات ؟ّ! .. محال و حاش لله أن يكون غير الله القادر على فعل ذلك ..
و إذا كان في هذا الكون أكثر من إله فكيف اتفقوا هذا الإتفاق العجيب و المبدع فكونوا شيئًا يحير العقول ، و نحن نعلم بديهياً أنه إذا كان في أي شأن من شؤون الحياة أكثر من مدبر فمصيره الاختلاف حتماً ، إذ لا بد أن يكون واحد هو المهيمن على الكل حتى تستقيم الأمور أيا كان شأنها و صدق الله العظيم اذ يقول ( لو كان فيهما آلهة الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون ) ، و قد ذكر الشيخ سعيد حوا في كتابه القيم ( الله جل جلاله ) نقلاً عن الإمام محمد بن جرير الطبري كلاماً عميقاً و مقنعاً للأنفس و العقول التي تنشد التوحيد و تبحث عن الحق و الحقيقة في شأن لو كان لهذا الكون إلهين فقط عوضاً عن آلهة متعددة يقول: (وقد أورد عن ذلك ابن جرير الطبري ، قال: لم يخل كل واحد من الاثنين من أن يكونا: قويين أو عاجزين. فإن كانا عاجزين فالعاجز مقهور ، وغير كائن إلها ، وإن كانا قويين ، فإن كل واحد منهما يعجزه عن صاحبه عاجز ، والعاجز لا يكون إلها. فإن كان كل واحد منهما قوياً على صاحبه فهو بقوة صاحبه عليه عاجز.
إذن لم يبق إلا الواحد المطلق الذي لا يعجزه شيء في الأرض و لا في السماء ، وما قال ومن قال بالتعدد إلا عن عقلية ابتدائية ، وفكرة وثنية ، و تصور خيالي مصطنع بعيد عن التحقيق و مصادم للعقل ).
ويجب على الانسان أن لا يعيش في هذه الدنيا بلا تدبر في أمر هذا الكون المعجز حتى يترسخ إيمانه بخالقه و ليعلم كذلك أنه لم يخلق هملاً بلا غاية فقد حث الخالق جل وعلا بني البشر أن يتدبروا في ملكوت السماوات والأرض و وصفهم بأنهم أولو الألباب ( العقول الراجحة ) .
و لا يهمنا جحود بعض من أعطاهم الله العلم وعلمهم من بعد جهل إن أنكروا وجحدوا الخالق فإنكارهم و جحودهم حجة عليهم و ليست حجة لهم ؛ فقد قال الله تعالى ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) و بما أنهم أنكروا بعد علمهم فقد ألزمهم الله الحجة و ليس لهم عذر فقد آتاهم الله علماً ليدلوا الناس و يعرفوهم الطريق إلى الله فحادوا هم عن الصراط ، وعلى الانسان أن يكون على بينة من ربه و يلتجئ إليه طالباً الهداية إلى الحق و طلب العون منه فلن يرد الله أحداً طرق بابه وهو أكرم الأكرمين ،ثم بعد ذلك المعاد يجمع الكل و يوم الحساب هو الفيصل و عند الله تجتمع الخصوم …
أكبر مصدر للجحود و النكران هو الكبر والغرور و تحكم الأهواء الباطلة و شهوات النفس الأمارة بالسوء و الا فالأمر واضح لكل ( من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد )…
و تزداد دهشتنا حين نعلم أن قطرة الماء الواحدة فيها ملايين من ذرات الهيدروجين و الأكسجين و هذا بشأن قطرة واحدة .. فماذا نقول عن هذا الخضم الهائل الذي إذا تجمع دفعة واحدة واندفع فهناك لديه من القوة ما يكاد يزيح الجبال نفسها فسبحان من خلق فأبدع ما خلق …
و أخيراً فالله هو الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لا يعجزه شيء في السماء ولا في الأرض وسبحانه لم يكن لو ولي من الذل الكبير المتعال …
فاللهم أرزقنا الايمان الكامل و اليقين الصادق حتى نلقاك مؤمنين بك حق الايمان ، و صلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
إبراهيم يحيى أبو ليلى
مقالات سابقة للكاتب