هل أشعل كاميرون النار في البيت الأوروبي؟

لازالت الدهشة و الصدمة تسيطران على الكثير من الأوروبيين الذين إستفاقوا على واقع جديد لم يكونوا يتوقعونه قبل بضعة أيام مضت ، إذ بدأت وسائل الاعلام في دول الإتحاد في التساؤل عن تداعيات نتيجة تصويت البريطانيين التي عبرت عن غضب شريحة واسعة من المواطنين و رغبتهم في التراجع و فك الارتباط عن المشروع الأوروبي.

ردة الفعل كانت سريعة من ألمانيا و فرنسا ، ففي الأخيرة بدأت شريحة واسعة من المفكرين و السياسيين بالتذكير بموقف شارل دي غول، القائد العسكري الذي حكم فرنسا بين سنتي 1959 و 1969 و عارض فكرة إنضمام بريطانيا للنادي الأوروبي في مرحلة تميزت بجدل كبير بين المدافعين و الرافضين .

دي غول أكد أكثر من مرة أن بريطانيا تريد فرض شروطها الخاصة على الدول الأعضاء و هذا يمثل حجر عثرة أمام البناء الأوروبي، و بعد مرور نصف قرن أعاد الفرنسيون التذكير بما أسموه نبوءة دي غول.

أما في أسبانيا فقد وجه رئيس الوزراء الأسباني الأسبق فيليبي غونزاليس اللوم لديفيد كاميرون في مقال نشرته صحيفة إلبايس ، مؤكداً أنه “أشعل النار في البيت من أجل حماية الأثاث فبقي بلا بيت و لا أثاث”.

و في أسبانيا أيضاً تساءلت بعض وسائل الاعلام عن مستقبل العلاقات الثنائية بين مدريد و لندن و مدى تأثير الاستفتاء على وضع إقليم جبل طارق الذي تعتبره أسبانيا جزءً لا يتجزء من ترابها، كما نوهت الصحف الأسبانية بنتيجة الاستفتاء في جبل طارق ، حيث أجمع سكانه على قرار البقاء داخل الاتحاد الأوروبي بنسبة بلغت %95,91 و هي أعلى نسبة تأييد للبقاء داخل الاتحاد بين الأقاليم التي تخضع لسيادة لندن.

لكن الغضب سيطر على المسؤولين الأوروبيين في بروكسل ، إذ إستمرت الاتصالات مع باقي العواصم الأوروبية طوال اليومين الماضيين و بلغ الغضب حد دعوة الدول الأعضاء لندن تسريع خروجها من مؤسسات الاتحاد في أسرع وقت ممكن ، و هو ما عبرت عنه تصريحات وزراء الخارجية للدول الستة المؤسِّسة للمشروع الأوروبي ( فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، هولندا، بلجيكا و ليكسومبورغ ) ، الذين عقدو إجتماعا طارئاً في العاصمة الألمانية برلين بعد معرفة نتائج الاستفتاء كما طالبوا بريطانيا بتحمُّل مسؤوليتها تجاه الوضع الجديد .

و في بريطانيا فقد أكدت الوزيرة الأولى في أسكتلندا و زعيمة الحزب القومي الأسكتلندي نيكولا ستورجيون ، أن حكومتها ستستعجل الدخول في محادثات مع بروكسل لحماية موقع أسكتلندا في ‏الاتحاد الأوروبي ، و تشعر زعيمة القوميين و معها غالبية الأسكتلنديين بخيبة أمل كبيرة بعدما عبر سكان الإقليم دعمهم البقاء تحت سيادة المملكة المتحدة سنة 2014 و رفض البريطانيين البقاء داخل الاتحاد الأوروبي.

و كان الانقسام سيد الموقف قبل الاستفتاء إذ تجاوزت الخلافات مسألة الانتماء الحزبي بين المحافظين و العمال و الليبراليين إذ إنقسم معظم الأحزاب و هو أمر صب في صالح الحزب القومي المتطرف.

هذا الانقسام الذي يلوح في المملكة المتحدة لا يقتصر على إقليم إسكتلندا وحده بل يشمل البلاد طولاً و عرضاً ، حيث عارضت الانفصال كل من العاصمة لندن و إقليم إيرلندا الشمالية؛ و هو ما دفع بِالمحللين للتساؤل عن مستقبل البلاد و وحدتها التي أصبح يسوده الضباب و عدم اليقين، كما أشارت النتائج إلى أن غالبية الشباب صوتت ضد البركسيت ما يشير إلى وجود إنقسامات أفقية و عمودية تشمل جل جوانب الحياة في البلاد.

رغم الصدمة التي ميزت ردود الأفعال في العواصم الأوروربية إلا أن هناك أصوات بدأت تمتص الصدمة لتأكد أن قرار البريطانيين بالخروج من الاتحاد الأوروبي و رغم الزلزال الاقتصادي و السياسي الذي أحدثه إلا أن مستقبل المشروع الأوروبي بدون بريطانيا أفضل في المدى المتوسط و البعيد .

حميد بلحسن

[ كاتب صحفي و محلل سياسي ]

مقالات سابقة للكاتب

تعليق واحد على “هل أشعل كاميرون النار في البيت الأوروبي؟

ابوباسم

مرحبا أستاذ حميدبلحسن .سعدنا بمشاركتك ..فأهلا وسهلا بك سفيرا لنا في أوروبا.
فالحقيقة في نظري مقالك جدير بالشكر والتقدير . فانت بارع في علم السياسة والاقتصاد لحكم معرفتي بك و بسعة علمك في هذا المجال… فتخصصك يؤهلك فلاتبخل علينا بطلاتك الجميلة.
وهذا اول مقال نسعد بقراءته و اتمنى ان لاتبخل علينا بما حباك الله به من علم في هذا المجال وأن شاء الله يكون عربون للتواصل المستمر..
شكرا لك استاذ حميد وشكرا لصحيفة غران على طموحاتها وستاضافتها لكتاب مثلك وندعو لها بالمزيد من التوسع والوصول الى للعالمية باذن الله.
واخوك عطيه الصحفي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *