إياك أن تظن بربك سوءًا بسبب تأخر إجابة دعوتك ؛ وبأن قولك:(يارب، يارب، يارب) التي لهج بها لسانك وقد خرجت من أعماق قلبك ومشاعرك وفجاج روحك طيلة ليالي شهر رمضان المبارك قد ذهبت سدى!
والله الذي لا إله إلا هو أن لها موعداً ستجري فيه أحداثها بالتمام والوفاء وسترى فيه أثرها عاجلاً أم آجلاً وهذا ظننا بربنا وقد وعدنا ربنا الإستجابة بقوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ}
يارب!هذا دعائي كيف أرفعه
إليكَ وهو على الآثام محمول
********
لولا التأمل في رحماكَ مانفرجت
نفس ولا كان للملهوف تجميل
﴿ فَمَا ظَنكُم بربِّ العَالمِين ﴾
فإن السعيدُ منْا من يحسن الظن بالله ويحرِص على الدعاء دائماً ؛ فيأخُذُ من أوقات دعائه عموماً زاداً يتحرَّى به ساعات إجابة الدعاء الفاضلة يُقبِلُ بقلبه على الله فيها ؛ ويكون همُّهُ في كل وقتٍ بلهج لسانه : بالدعاء والاستعانة بالله والإكثار من قول لا حول ولا قوة إلاَّ بالله ..
وقد ثبت من حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال : “إنَّ اللَّهَ حيِىٌّ كريمٌ يستحي إذا رفعَ الرَّجلُ إليْهِ يديْهِ أن يردَّهما صفرًا خائبتينِ”.
﴿ فَمَا ظَنكُم بربِّ العَالمِين ﴾
من الواجب عدم اليأس من إجابة الدعاء …فاليأس سبب لعدم إجابة الدعاء ، بل هذا مناقض لآدب الداعي ، من التعلق بالله ، والرغبة فيما عنده ، والإلحاح عليه ، وحسن الظن به .
وقَد ثَبَت عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: ” يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ، يَقُولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي ” .
﴿ فَمَا ظَنكُم بربِّ العَالمِين ﴾
من تمام حسنِ الظن بالله هو الإدراك بأن النِعم ليست مادية فقط .
فالمزاج الهادي نعمة ، واليوم المريح نعمة ، والقدرة على إنجاز العمل في وقت قصير نعمة ، والقلب الصافي نعمة ، والاستغناء عن الناس نعمة ، وسلامة الصدر تجاه الآخرين نعمة ، والصِحة والعافية هي من أكبر النِعم.
فجميلٌ أن يتعوّدَ المؤمنُ حُسْنَ الظنِّ بالله في حياته ليؤهله ذلك إلى حُسْنِ الظنّ بالله ساعة الرحيل والضيق.
ولا تَظْننْ بِرَبِّكَ غير خَيرٍ
فَإِنَّ اللَه أُوْلَى بالجميل
﴿ فَمَا ظَنكُم بربِّ العَالمِين ﴾
عندما تتوقع بأن بعد المرض عافية ، وبعد الشقاء سعادة ، وأن دموعك سيعقبها إبتسامة ، وأن الضيق سيتلوه الفرج ، فإنك قد أديت عبادة عظيمة وهي حسن الظن بالله ، وحينها ستُعطى وتُؤجر فربنا عزوجل يقول ( أنا عند ظن عبدي بي) .
ونبينا ﷺ يقول ( ومن يتحرى الخير يُعْطَه).
﴿ فَمَا ظَنكُم بربِّ العَالمِين ﴾
الثقه بالله شقت لموسى البحر، وبردت النار على إبراهيم، ثق بالله دائمًا.
وإنّي لأرجو الله حتى كأنّني
أرى بجميل الظنِّ ما اللهُ صانعُ!
وقد ثبت من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ رَسولَ الله ﷺ قَبْلَ مَوْتِهِ بثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يقولُ: ” لا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إلَّا وَهو يُحْسِنُ الظَّنَّ باللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ”.
ومعنــى حسن الظن بالله تعالى أن يظن أنه يرحمه ويعفو عنه .
فحسن ظنك بالله يديم العمل الصالح في حياتك.
والقلبُ ما دامَ بالرحمنِ ذا ثقةٍ
فكل شيءٍ بحسنِ الظنِ يُجتلبُ
﴿ فَمَا ظَنكُم بربِّ العَالمِين ﴾
تخيب الظنون ألف مرة في ميادين الحياة وعلاقاتها الواسعة ، ويبقى حسن الظن بالله والاستبشار بفضله أكبر مواسٍ للعبد ، وأعظم غنيمة ، وأندى مُستراح ، وأكبر أمنية.
وكَم مَنَّيتُ نفسي ثمّ جاءت
عطايا اللهِ أضعافَ التمني
﴿فَمَا ظَنّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾
يقول عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه – : والذي لا إله غيره ما أُعطي عبدٌ مؤمن شيئًا خيرًا من حسن الظن بالله عزَّ وجل.
والذي لا إله غيره لا يُحسن عبدٌ بالله الظن إلا أعطاه ظنه، ذلك بأن الخير في يده سبحانه .
وقد قيل لأعرابي:إنك ميّت.
فقال:ثم إلى أين؟
قيل له:إلى الله
قال : ما وجدنا الخير إلّا من الله تعالى
أفنخشى لقاءه؟!
فما أجمل حسن الظّنّ بالله .
إذا أحسنت ظنك في إلهي
فأبشر بالسعادةِ يامصابر
********
فربي عند حسنِ الظنِّ فيهِ
يزيل السوءَ والرحمنُ قادِر
********
توجهْ ياصديقي نحوَ ربٍ
كريمٍ مالكٍ كلّ المصائِرْ
﴿ فَمَا ظَنكُم بربِّ العَالمِين ﴾
من أحسن ظنه بالله آتاه الله إياه .
فقد ثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ : «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة».
فإذا دعوت الله فعظم الرغبة فيما عنده، وأحسن الظن به.
اللهم اجعلنا ممن يحسن الظن بك في الحياة وعند الممات .
🔘إضاءة :
أحسنوا الظّن بأقداركم فإنها تأتي مُحمّلةٌ بظنونكم.
منى الشعلان
مقالات سابقة للكاتب