الرضا حياة …

عندما قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ( انظروا إلى من هو أسفل منكم ، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم ، فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم ) ….

قال ذلك لأن الله سبحانه وتعالى المطلع على خفايا الأنفس البشرية وكيف لا وهو الذي خلقهم وهو علام الغيوب ، قد سبق في علمه الأزلي أن النفوس تطمع دائماً إلى المزيد مهما بلغ ما عند الانسان من خيرات ، فقال ذلك لترتاح النفوس وتقنع بما أتاها الله ..

أيها الانسان الضعيف والطامع إلى الزيادة ، لو أنك اتبعت تعاليم الله و وصاياه ترتاح نفسك فقد قسم الله بين الخلق الأرزاق فجعل هذا غنياً وفاحش الثراء وهذا فقير معدم ، لأنه أعلم بما يصلح لكل واحد ولو تفكر الانسان للحظة لعلم أن ما هو فيه خير له ..

ولنا في قصة ثعلبة عبرة إذ كان يسمى حمامة المسجد عندما كان فقيراً ، ولكن الغنى جعله في سلك المنافقين أجارني الله وإياكم .. إذاً على المرء أن ينظر إلى ما دونه فعندها يحمد الله على الحال التي هو عليها …

وليس الرزق متعلق بالمال فقط وهذا الفهم الخاطيء الذي علق في أذهان كثير من الناس ، فكلمة الرزق كلمة جامعة تشمل جميع نعم الله على العبد سواء كانت هذه النعم مادية أو معنوية ، محسوسة أو غير ذلك فالرزق يشمل الأولاد والصحة والعافية وراحة البال والطمأنينة والخلو من الدّين الذي هو هم بالليل و ذل بالنهار .

وإذا أردت أن تعلم أنك مرزق وأنك غني فخذ جولة إلى إحدى المستشفيات وتأمل من يرقدون على الأسرة البيضاء يعانون ما يعانون من الآلام والأوجاع في حين أن لدى بعضهم أموالاً مكدسة بين أيديهم وتحت أقدامهم فلم يستطيعوا أن يشتروا ولو لحظة بهذه الأموال صحة أو عافية ، ومنهم من هو مستعد لدفع كل مايملك لشراء العافية ولكن هيهات …

وتأمل كذلك في غير هؤلاء؛ فهناك أقوام من أصحاب الثروات الطائلة قد حرموا الأولاد وتراهم يقطعون الأجواء والبحار ذهاباً وإياباً لزيارة أرقى المستشفيات علّهم يجدون ولو طفلاً واحداً يملأ عليهم هذه الوحدة القاتلة التي يعيشون فيها فلا يجدون طعماً لحياتهم المترفة والخالية من فلذات الأكباد ، في حين تجد على النقيض من ذلك البعض متذمر متسخط من كثرة الأولاد مع قلة ذات اليد وهكذا هي الدنيا ، و سميت دنيا لهذا السبب فلا راحة فيها .. الغني غير مقتنع بما عنده ويريد المزيد والفقير يشكو حاله لكل من يمر به …

وما شرع الله الزكاة والصدقة إلا ليعلم البشر كيفية التكاتف والتعاضد وأنهم اخوة حتى لو اختلفت ديارهم وقاراتهم ، وصدق الامام علي رضي الله عنه حين قال : ( لقد جعل الله في أموال الأغنياء حق للفقراء فما جاع فقير لا بتخمة غني ) .

والمشكلة الكبرى أن الغني يظن حين يتصدق على فقير أنه قد تفضل عليه فترى البعض يسلك مسلك المن والأذى ، والحقيقة هي أن ذلك المال الذي دفعه هو حق من حقوق الفقير كان عند الغني فرده إليه ، وهذا لا يعني أن الغني ليس مأجوراً في هبته تلك ولكن لحفظ ماء وجه الفقير على الغني أن يحسن في العطاء وأن يتجنب المنة والأذى فالمؤمنون كلهم أخوة ..

إذاً يجب على المرء أن يرضى بما قسم الله له وأن لا يتسخط ، ويجب أن يكون عفيف النفس وأن يترفع عن الاستجداء لحفظ ماء وجهه فهناك أمثال من قال الله عنهم ( يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف) فهم يترفعون عن الاستجداء مهما عضهم الفقر بنابه وجثم بكلكله عليهم .. وبحكم عملي في جمعية البر رأيت الكثير من هؤلاء المتعففين حتى ليجد الانسان صعوبة في اكتشاف حاجاتهم …

وها نحن قد أظلنا العيد فأهيب بالميسورين أن يشمروا عن سواعد الجد ليبحثوا بصدق عن أولئك الذين نتحدث عنهم وحبذا لو يتقمص الغني شخصية (جابر عثرات الكرام ) ويفتش عن خبايا هؤلاء ، فالله هو المطلع على الضمائر ولا تخفى عنه خافية سبحانه ، ولنتذكر حديث السبعة الذين يظلهم الله تحت ظل عرشه (ورجل أنفق نفقة فخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه )…

وليعلم من يقدم يد المساعدة أن الله قد وفقه لهذا العمل النبيل حين استعمله في قضاء حوائج الناس وهذه نعمة قد لا تعطى للكثير .

وفي الختام فقد قال الرسول الكريم ( ارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس ) ، رزقني الله وإياكم الإخلاص في القول والعمل ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

 

إبراهيم يحيى أبو ليلى

مقالات سابقة للكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *