من المشكلات في اختلافات أفهام الناس .. أن المتحدث يقصد شيئا .. ثم يفهمه المتلقي بطريقة اخرى.
فيكون الفهم غير مقصود ، ولذلك يقال بأن من مشكلات الأحاديث بين الناس ( قصد لم يفهم .. وفهم لم يقصد ) في احاديثنا ما يختلف الناس في طبيعة تلقيهم له.
وفهم .. ربما لم يقصده المتحدثون.
وهنا أعرض أسبابا في تقديري لها أثر في كل ذلك :
وهذه الاختلافات تعود لأسباب منها :
أولا .. طبيعة معدل وعيهم.
فمن الناس من لديه العمق في الفهم فلربما يصل في معاني كلمة تقال إلى ما لم يتوصل له حتى المتحدث.
( ورب متلق أوعى من متحدث).
فالعقول كالوديان منها ماهو طويل وفسيح .. ومنها ماهو قصير وصغير.
ومن الأسباب :
ثانيا .. اختلاف الاهتمامات
فرب حديث يقال عن قضية يستوعبه الناس وفق طبيعة اهتماماتهم وتخصصاتهم.
فالمتخصص في علم العقيدة
عادة يكون أكثر إدراكا وحساسية في الكلمات التي تلقى في عظيم أقدار الله ومشيئته عن شخص ليس بمتخصص. وهكذا في علم الاجتماع حينما يتحدث إنسان عن نسب الطلاق مثلا ولا يعلم طبيعة عينات الدراسة ومن أين أخذت وكيف يتم تعميمها .. !! وهكذا علم الاقتصاد في التضخم والدخل ومعانيها وآثارها .. وهكذا علوم الصحة والطب .. وهكذا.
ومن الأسباب :
ثالثا .. قدرة المتحدث وسهولة تناوله في حديثه للمفاهيم والمقاصد.
حيث يتناول القضية بطريقة ( معقدة) او يستخدم مفاهيم غريبة وربما لا يستوعبها المتلقون .. او يفرعها بطريقة تشتت السامعين. ومن تفريعات هذا الأمر ان يداخل بعض المتلقين في عرض ما يراه؛ مخالفا في ذلك لب القضية فيتيه ويتوه الآخرين عن الفهم المقصود .. !!
وهذا المعنى يكثر في مجالسنا وحواراتنا ويحتاج لمعالجة تربوية.
ومن الأسباب :
رابعا .. حالة المتلقي النفسية والعاطفية
حيث تؤثر أحيانا الحالة المزاجية او العاطفية تأثيرا بالغا في استيعاب المقصود ( سلبا أو إيجابا ) فرب كلمة مشحونة بالعاطفة تدفع إنسانا إلى عمل الأعاجيب .. ورب كلمة تدفع آخر إلى أهمال ما هو واجب .. !!
وأحيانا يفسد الفرح بعض المعاني وأحيانا يفسدها الغضب .. !!
والأمثلة على ذلك مشهورة.
ومن الأسباب:
خامسا .. حتى أحيانا طبيعة الحالة التي عليها الإنسان حيث تجد إنسان على وجه ( عَجَلة ) ويقتنص النتيجة على عجل بناء هلى فهمه المستعجل .. وفرق بينه وبين من هو متكئ على أريكته ويتناول قدحا من الشاي والقهوة ثم يقلب الكلام يمنة ويسرة وربما يناقشك فيه ثم يخرج بنتيجة ( طازجة مستوية ) تختلف عن العجلى من الناس.
ومن تفريعات هذا المعنى أن الاستيعاب يختلف بعمق خلطة الإنسان للناس ومكانته وإمكاناته. فالمنعزل عن الخلطة يختلف فهمه وإداركه عن ذلك الذي يخالط الناس بمختلف مستوياتهم .. فالمكان والمكانة والإمكانات له بعدها في ملامح الكلمات وتلميحاته.
والحس والإحساس والتحسس لها دورها في الفهم والاستيعاب.
ومن الأسباب :
سادسا .. ما يؤثر فيه طبيعة ( التقوى) التي تسكن في أعماق الإنسان.
فهناك من يعرض ما يسمع على مقاصد الشريعة الإسلامية ومدى حظها من هذا القول .. وهناك من لا يستحضر هذا المعنى .. وإنما يقلب ما يسمع بناء على ما يهواه ومشتهيه فإن وافق أحدهما أخذ بها .. !!
وهكذا تتنازع في الناس امور متعددة في طبيعة فهم الكلام ومقاصده وتحليلاته وتجلياته.
سابعا .. وأختم بقاعدة عظيمة في الفهم
وهي أن حظ الإنسان من الصفاء والنقاء والتقوى وخدمة الخلق لها أثرها الكبير في استيعاب المعاني والمقاصد والآثار.
والدليل على ذلك قوله تعالى ( إن تتقوا الله يجعل لكم فرقان ) الأنفال 29. أي أن معدل التقوى يعين على الفهم والاستيعاب والخطأ والصواب والتفريق بين الحق والباطل.
وختاما .. هذه مجمل أسباب أحببت طرحها ولعلها تطرح للحوار والمدارسة لكي تؤخذ بعين الاعتبار حين الحديث للمتحدث .. وحين الاستماع للمتلقي .. حتى نكون أقرب إلى فهم المقاصد وأوعى في مقاصد المفاهيم.
أ.د خالد بن عبدالعزيز الشريدة
مقالات سابقة للكاتب