لماذا تبقى بعض العادات عصية على التغيير؟! بينما تجد عادات أخرى طريقها إلى التبديل؟!
من يسبر أغوار التاريخ، ويتتبع تطور المجتمعات وما طرأ عليها من تحولات متعلقة بموروثها السلوكي، أو ما يسمى بالعادات والتقاليد، قلما يقف على ثابت لم يتحول، أو مُسلَّمٍ لم يتبدل، إلا أن هناك من العادات ما تكون عصية على التغير الجذري أو السريع.
يقول توفلر في كتابه ( الموجة الثالثة): لكي ينعم الإنسان بحياة متكاملة عليه أن يشبع ثلاثة ميول طبيعية، وذكر منها وضوح المعايير في معرفة الصح و الخطأ، وهذا ينسحب على العادات والتقاليد الموروثة المحددة لأنماط سلوك الأفراد المقبولة داخل مجتمعاتهم، والقائمة على معايير واضحة قد لا يستسيغها البعض، وإنما يجد نفسه في مواجهة ضارية معها، فإما متمرداً عليها أو راضخاً لها، وفي كلتا الحالتين وحده من يدفع تكلفة الإمتناع أو الإنصياع.
لكل مجتمع عاداته وتقاليده التي يقدسها البعض، ويتململ منها الآخر دون أن يبذل جهداً لتعطيلها أو تحسينها، وإن حدثت مبادرة خارجة عن المألوف فلن تلقى رواجاً إلا بعد حين، وذلك فقط عندما يستشعر أفراد المجتمع نفعها.
وبالنظر لمجتمعنا نجد أن كثيراً مما ألفناه قبل أكثر من ٣٠ سنة قد اضمحل وغيره احتل، ولو أمعنا النظر لتوصلنا للسبب، ثم أستفدنا منه لتغيير المذموم من عاداتنا والحفاظ على المحمود منها.
يصعب التغيير في العادات والتقاليد بصورة سريعة إلا في حالتين: إما إمتثالاً لشرع الله أو إقتناعاً بأفضلية مبادرة أحد وجهاء المجتمع.
دعونا الآن نتناول على سبيل المثال لا الحصر، عادة العزاء والزواج، ولنأخذ عادة العزاء أولاً :
شهدنا في الآونة الأخيرة من يكتفي بعزاء المقبرة، بينما آخر يحدده بين صلاتي العصر والعشاء، وآخر جعله بين صلاتي المغرب والعشاء، والجامع في ذلك كله ما وجده الناس من تسهيل وراحة لهم بعد أن كان يمتد العزاء لثلاثة أيامٍ تشمل الثلاث وجبات لكل يوم، وغيرها من سلوكيات مصاحبة استنكف الناس عنها إما لعدم مشروعيتها أو سعياً لوقف المعاناة منها.
وبالعودة للمثال الثاني، وهو عادة الزواج: فقد كانت حفلات الأعراس قديماً بالأيام، فلما جعلها أحدهم يوماً واحداً تبعه البقية، وعندما تجاسر آخر وجعلها وجبة عشاءٍ فقط وجد البقية بغيتهم فيها، وعندما قام آخر بتحديد ساعة العشاء استحسنه من أتى بعده، حتى “المد” نوعه وقيمته وكيفية تقديمه طاله التغيير، فلم نحتج لوقت طويل في تغيير بعض عادات الزواج، إذ كان الدافع الوحيد لأفراد المجتمع في الإنتقال بسلاسة بين تلك التغييرات هو ما وجدوه من تخفيف للأعباء المادية والجسدية والنفسية دون المساس بجوهر المناسبة الأصيل.
قصارى القول، مازال هناك من طويلي النجاد من يحاول تمزيق ما يعتبره غشاوة على عيون المجتمع؛ لتبصر ما يراه من نفعٍ وفائدة، فيعمد لتغيير بعض العادات الإجتماعية بتفاني، ليس بالضرورة أن يكون مصيباً، ولكن يكفيه شرف المحاولة التي ينال بها تقدير وإحترام مجتمعه، وهذا ما نحتاجه لتحريك مياه العادات الراكدة نحو الأفضل، وتبديل مياه العادات الآسنة بمياه قراحٍ لذةٍ للشاربين.
سامح عبدالرحيم الصحفي
مقالات سابقة للكاتب