الحمد لله الذي جعل حياتنا حياة اجتماع و هيأ لنا البيئة الآمنة التي نعيش فيها ، و نحن في هذه الحياة لا بد أن يكون بيننا تعاملات و تبادل معلومات و اشتراك في الممتلكات ، و قد ينشأ عن ذلك الاختلاف في وجهات النظر الذي قد يتطور و يصل إلى درجة الخلاف المؤدي إلى المنازعات التي تنغص الحياة و تكدر صفوها؛ يدعمها و يشجعها شياطين الجن و الانس .
و نختلف مع و ضد الحق الذي نعرفه أحياناً بل غالباً ، و يكابر البعض بالإعتراف به في حال وقوع الفتن و المنازعات بين أفراد المجتمع ، و على كل حال لا بد أن يكون أحد أطراف القضية مخطئ و قد يقع الطرفين في الخطأ و لكن نسبة و تناسب فكيف تحل القضية و يعترف المخطئ بخطائه و يقبل المعتذر منه العذر أو يصدر الحكم إلزامياً من حاكم شرعي أو مصلح توافقي .
و حل أي قضية خلافية لن يخرج غالباً عن أربعة خيارات ، و هي أن يأخذ صاحب الحق حقه بيده ، أو عن طريق الشرطة و القضاء ، أو يترك الأمر كما هو و تقال الكلمة التي نسمعها كثيراً (الله لا يسامحك و أخذ حقي منك يوم القيامة) ، و الخيار الرابع خيار المسامحة و في إعلانها إنهاء لأي قضية. وسنقف أمام الخيارات أيهما أفضل و أقصد ما تضيفه إلى رصيد حسناتك في بنك الحسنات و المسألة واضحة و قد نختلف عليها ، و لو كانت ريالات لكان خيارنا واحد و اتفاقنا على رأي واحد.
لقد ذكرت أربعة خيارات لن يخرج عنها حل أي قضية فلنقف و نحسبها اقتصادياً .. أيهما أفضل أن تأخذ حقك بيدك و هو الأسوأ في زمننا هذا زمن العدل و الانصاف فقد يتحول الحق عليك بدلاً من أن يكون لك ، أما التوجه للشرطة و القضاء حل شرعي يضمن لك حقك و لكن من عيوبه أنك تأخذ حقك و قد يترتب عليه قطيعة أو سوء معاملة دائمة ، و أن تترك الأمر لله و تطلب المقاصة يوم القيامة و عدم المسامحة ففي هذه الحالة ثق تماماً أنك ستأخذ حقك كاملاً من حسنات خصمك و إن لم يكن لديه حسنات سيرمى بسيئاتك ، أما خيار الفكر الاقتصادي خيار المسامحة في الدنيا و طلب ما عند الله يوم الحساب قال تعالى : { فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين} .. خيار يغفل عنه الكثير و هو خيار الخبراء الاقتصاديين في جمع الحسنات و مضاعفتها يوم لا ينفع مالاً و لا بنون ، خيار سلامة الصدور و إطفاء حرائق الفتن و المنازعات فكيف لا نعفو والله يعدنا بقوله ( فأجره على الله ) ، فهنيئاً لمن تكفل الله بحقه في حال مسامحته .
سؤال يُطرح هل يسقط حق المسامح ؟ ، و الجواب يسقط عن المخلوق و يضاعف من الخالق فإن كنت ستأخذه في الدنيا أو في الأخرة كاملاً حتماً ستأخذه في حال المسامحة مضاعفاً .
و سؤالي هنا لماذا لا نختار الخيار الأفضل لنا يوم القيامة و هل سنخلد في الدنيا ؟ ، و لا يعني ذلك أنني ألوم من يطالب بحقه في الدنيا و لو لا ذلك ما فتح باب القضاء ولكن اختيارنا للمسامحة هو الأفضل و به نصفي صدورنا و يصلح مجتمعنا فهيا بنا إخوتي نضاعف حسناتنا و نعفو عن من ظلمنا ، و اسأل الله أن يبعدنا عن الفتن و يصلح حالنا و أن نكون لقول الحق منصفين و في المسامحة راغبين .
فهد بن علي الصحفي
مقالات سابقة للكاتب