عَاشُورَاء: استحضَار مَفْهُوم المُخَالفةِ والإقْتِدَاء

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله.

والصلاة والسلام على من بعثه الله رحمة للعالمين وحجة على الخلق أجمعين..

أمابعد:

فعاشوراء هو اليوم العاشر من شهر الله المحرم، وهو يوم عظيم لأمة الإسلام التي اتحدت في عقيدتها وعبوديتها لله، وهو اليوم الذي نجّى فيه الله -سبحانه وتعالى- سيدنا موسى -عليه السلام- وبني إسرائيل من فرعون وجنوده، فصامه سيدنا موسى شكرا لله تعالى، ثم صامه نبينا محمد -ﷺ- وأوصى أمته بصيامه، وجعل فضل صيامه يكفر ذنوب سنة قبله.

ففي صحيح البخاري: لما قدم رسول الله – ﷺ – المدينة رأى اليهود يصومون يوم عاشوراء فقال: ما هذا؟ فسألهم فقالوا: إنه يوم نجى الله فيه بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى، فقال – ﷺ – نحن أحق بموسى منكم فصامه – ﷺ – وأمر بصيامه).

وفي صحيح مسلم: حين صام النبي -ﷺ- يوم عاشوراء وأمرنا بصيامه (قالوا يا رسول اللهِ إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى فقال رسول اللهِ -ﷺ – فإذا كان العام المقبل صمنا يوم التاسع فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول اللهِ -ﷺ-).

وروى الإمام أحمد وغيرُه عن النبي -ﷺ- قال:(خالفوا اليهود وصوموا يومًا قبله ويومًا بعده).

فالنبي ﷺ لما قدم المدينة كان يحب مخالفة المشركين وموافقة أهل الكتاب ومنهم اليهود، فكان -ﷺ- يصوم عاشوراء فقط، لكن بعد السَّنة الثامنة لما أظهره الله على المشركين وفتحت مكة، وانكسر أهل الشرك ولم يبقى لهم قائمة، أصبح النبي ﷺ يحب مخالفة أهل الكتاب فقال تلك المقولة: (لإن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع)، فلم يبقَ إلى قابل، فعَزْمُهُ -ﷺ- دل على أنه يستحب مخالفة اليهود بأن يصام يوم قبل عاشوراء أو يوم بعده.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: في اقتضاء الصراط المستقيم [1/87] : “ثم لما قيل له قبيل وفاته: إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، أمر بمخالفتهم بضم يوم آخر إليه وعزم على فعل ذلك..”

يظهر مما تقدم أن من أعظم مقاصد الشريعة من صيام التاسع من شهر الله المحرم مخالفة الكفار ؛ ومخالفة الكفار من أبرز مظاهر تحقيق البراء من الكافرين الذي لا يتم الإيمان إلا به، وقد شدد الشارع على المتشبهين بهم، حتى قال النبي -ﷺ-: (من تشبه بقوم فهو منهم]، [رواه أبو داود].
والأمر بمخالفتهم لا يمكن إدراكه إلا باستقراء النصوص الشرعية.
فينبغي أن نستحضر ذلك عند صيامه، ونلتزم بهذه السنّة العظيمة، فنخالفهم ونحذر التشبه بهم.

وبهذا يتبين لنا أن درجات المفاضلة في صيام عاشوراء على أربع مراتب:

المرتبة الأولى: أن يصام يوم قبله ويوم بعده، وهذا أكمل المراتب، وذلك لإمور:
الأمر الأول: أنه يحقق بذلك صيام عاشوراء.

الأمر الثاني: أنه يحقق بذلك مخالفة اليهود.

الأمر الثالث: أنه يصوم ثلاثة أيام من الشهر؛ وصيام ثلاثة أيامٍ من الشهر سنة قد أوصى بها النبي -ﷺ- عددا من الصحابة.

الأمر الرابع: أن يستكثر من الصيام في شهر محرم.

المرتبة الثانية: أن يصام التاسع والعاشر، لتحقيق المخالفة،وعليه ‏أكثر الأحاديث.

المرتبة الثالثة: أن يصام العاشر والحادي عشر. لتحقيق المخالفة.

المرتبة الرابعة: أن يفرد العاشر بالصوم وحده. وقيل: يكره إفراده. والصحيح أن إفراده بالصيام ليس مكروها.

هذا ما تيسر إيراده وتوفر إعداده وأعان الله على ذكره.

أسأل الله أن يرزقنا حسن الاتباع، ويجنبنا التشبه بالكافرين والابتداع.

والحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

حسن مهدي قاسم الريمي

 

مقالات سابقة للكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *