تجارب الحياة القاسية

التجارب القاسية التي يتعرض لها الأشخاص ما هي إلا مطبات لا بد منها في طرق الحياة، وهذه التجارب تحمل جوانب معرفية وانفعالية تضاف على خزينته السيكولوجية، فكلنا سمعنا عن المقولة الشهيرة التي تقول أن الضربة التي لا تقتلك تقويك، فعلى الرغم من مرارة الألم الوجداني العميق الذي تتركه هذه المواقف القاسية فينا إلا أنها تسهم في تحقيق التطور النمائي لشخصية الإنسان، فيصبح أكثر صلابة وقوة ما ينعكس على تغيرات سلوكية في روايته بشكل ملاحظ وهنا في هذا السياق نتحدث عن شخصية ملهمة جعلت من إصابتها قوة ورسالة تقدمها لذاتها ولمجتمع المصابين بنفس الآفة سارة ذات ٢٣ ربيعًا في عام ٢٠٢٢ تعرضت لحادثة انزلاق شديد أدى إلى كسر عظمة العضد وخلع بالكتف مما أدى إلى مضاعفات خطيرة وفقدان كافة وظائف اليد عملت أكثر من ٣٠٠ جلسة علاج طبيعي وعمليات جراحية وخطط طبية متنوعة ومنذ ٣ اعوام لم تعود يمينها كما كانت وهذه التجربة قاسية جدًا لا سيما اذا كان الشخص يمتلك موهبة الكتابة ويمناه تخط ابلغ ما يقال ويكتب لكنها جعلت من اصابتها سراج منير ورسالة صبر وإيمان وأمل لديها فالصبر قيمة خلقية ومظهر من مظاهر الشخصية الإنسانية المؤمنة، تُعرف به حقيقة الإيمان وحسن اليقين بالله ومن القِيم العليا التي يحث الإسلامُ معتنقيه على أن يتصفوا بها؛ لأنه يزين الإنسانَ المسلم، ويمثِّل علامة على إيمانه فهي جعلت من مفهوم الصبر منظومة اخلاقية متكاملة صاغتها على وفق المنهج القرآني صياغة فنية جمالية بلاغية في سياق حديثها ، وبناء تربويًا متماسكا جمعت فيه معاني التربية الخلقية كلها ، شخصية مطمئنة انمازت بأعلى مرتبة خلقية وقيمة سلوكية تلك سمة (الصبر) وهذا تواردت دلالاته المبينة في حديثها المبارك لما له من عمق التعبير ، فسألنها هنا ماهي الرسالة التي تريد ان تقدمها لمجتمع المصابين؟

قالت رسالتي هي (عدم اليأس ) هذا قدرنا ويجبُ أن نرضى به مهما كان فنحنُ أملنا أن يرضى الله علينا وأن يكتبنا مع الصابرين فهذا هو خيار وقدر كل المؤمنيين في هذه الأرض فوالله فزنا بمعية الله (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) والبشارة (وبشر الصابرين)(إِنِّي جَزيتهم اليوم بمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُون) فاليأس هذا هو العائق أعظم عوائق الصبر وهو الذي حذّر يعقوب(عليه السلام) أبناءه من الوقوع فيه مع تكرار البحث عن يوسف وأخيه:] يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [[38]، وهو الذي حرص القرآن على دفعه عن أنفس المؤمنين فبذر الأمل في صدورهم.

والإصابات العظمية‏ الشديدة جدًا إما أن تغلبك أو تغلبها ولنا حرية الأختيار ، إذا لم يتسم المريض بالقوة والشكيمة والمواجهه في وجه السقم فحتمًا سيغلب عليه ويجري به لمناطق وعره أكثر ،الألم والسقم والمعاناة العظمية مريرة لكن شعور الأنتصار على الوصب في كل مرة يحيينا يجعلنا نستشعر قيمة النضال ولا نغفل عن الجانب النفسي لأنه أهم عامل في رحلة العلاج والتشافي من خلال مراجعة مختص ورفع الروح المعنوية وازالة التشوهات المعرفية عن الإصابة… وهذه هي حوادث طبيعية لمسيرٍ وعر ينتهي بالقمة (البرئ) فإذا اردنا ان نبلغ قمة جبل توجال هل يعقل أن لا نواجه الحفر والأحجار والرياح والدخان ؟ هكذا تكون الإصابات والحوادث العظمية ، ولو تألمنا سبل اغوار حياتنا لوجدنا الاصابة اسوأ ما حدث لنا لكن نحن أفضل نسخة في شريط حياتنا بسبب الاصابة لأن السقم العظمي باطنه مضيء ويمنحنا رسائل متعددة من الصبر والإيمان والكفاح والتجارب القاسية هي من تصقلنا فلولا النار ما صقلت السيوف لتصبح قاطعة ولولا وخز الابر لما اصبح القماش ثوبًا ولو المحاريث ما زرعت الحقول فنحن هكذا في وتيرة ورحلة المعاناة العظمية بشقيها العمليات الجراحية وجلسات العلاج الطبيعي المؤلمة سنصبر ونقاوم ونقاتل لأن تلك الطرق الوعرة والمؤلمة ستكون السبب قي تقويم عظامنا واللوح بالأفق فلا نيأس ‏ستمخر سفينة المُنجد عباب الموج ونصل.

فحكايات الالهام والقوة والإرادة وعزيمة الحياة لا تقف سارة الخراص استطاعت ان تحول حالة اليأس التي عاشتها في زمن ما ليس إلى حالة امل فقط وإنما الى قوة وارادة وحياة وتصدير للإلهام.

نبيله محمد الغامدي

مقالات سابقة للكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *