كما هو الحالُ بعد كلِ دورةٍ أولمبية نمتشق سيوف اللوم اللاذع ونرفع سياط العتاب المُر؛ متحسرين على الحصيلة الهزيلة لدول الوطن العربي؛ وتتناثر المهاوشات والمناوشات هنا وهناك؛ ثم لا تلبثُ ذاكرتنا السمكية بالتدخل؛ وهي التي ندينُ لها بحل الكثير من مشاكلنا الشائكة، لتبقى هذه القضية مُعلقةً حتى الأولمبياد القادم.
ولكننا في باريس نبدأ بالنظر إلى النصف الممتلئ من الكأس حيث اختار العرب النهاية السعيدة؛ بأكبر حصيلة من المعدن الأصفر للعرب في نسخة واحدة؛ فحاز أبطال العرب سبع 7 ذهبيات من بين ما مجموعه 17 ميدالية ملونة، وتصدرت البحرين ترتيب الدول العربية للمرة الأولى، فيما فاز المغرب بأول ميدالية أولمبية في كرة القدم.
ولكن هل هذا العدد يليقُ بأمةٍ تشتمل على 22 دولة؟؛ ويبلغُ مجموع عدد سكانها نفس عدد سكان الولايات المتحدة الحاصلة على المركز الأول و126 ميدالية؛ كما تملك بين مواطنيها من تنوع الإثنيات العرقية ما يشابه مثيله الذي وفَّر للولايات المتحدة هذه الصدارة والمكانة الرياضية؛ (ونحنُ هنا لا نُغفل فارق الإمكانيات والخلفية التاريخية).
نعود لمناقشة الحصيلة وهو 17 ميدالية لجميع الدول العربية؛ في مقابل سبع 7 ميداليات للكيان الصهيوني الغاصب؛ المنشغل بعدوانٍ غاشمٍ مُنذُ قرابة العام يؤثر بشدة على أوضاعه الاقتصادية، كما أنَّ هذا العدد الإجمالي من الميداليات يقلُّ عن حصيلة دولة واحدة وهي إسبانيا (18 ميدالية)؛ وهي التي يقلُّ عدد سكانها عن خمسين مليونًا.
ودعونا في البداية نُقرر أن المشاركة في الأولمبياد هو حضورٌ مهم في فعالية تلقى عناية واهتمام عالميين؛ وأنه ليس شرطًا أن كل دولة تشارك تستطيع الوقوف على منصات التتويج؛ ومما يدل على ذلك أنَّ مجموع الدول التي فازت بميداليات في باريس بلغ ستًا وثمانين 86 دولة؛ بينما بلغ عدد الدول المشاركة 206 دولة؛ أي أن هناك 120 دولة لم تحصد أي ميدالية؛ ولكننا بالطبع لا نريد أن يتدنى بنا الطموح إلى هذا المستوى؛ بل علينا أن نضع علامات الاستفهام والتعجب أمام دول مثل مصر التي شاركت ببعثة مكونة من 164 مشاركًا بتكلفة عالية أثقلت كاهل الميزانية المصرية؛ ثم عاد هذا الجيش الجرار بثلاث ميداليات واحدة لكل لون، أو لدولة مثل المملكة العربية السعودية؛ تشهد طفرة رياضية تدعمها الدولة بقوة لتبرز مكانتها العالمية؛ ثم تعود بعثتها خالية الوفاض.
وحتى لا نكون ممن يُلقي النقد ولا يقترحُ الحلَّ؛ فنرى أن الخروج من هذا الوضع الذي لا يليقُ بنا؛ يكمن في تفعيل اللجنة الأولمبية العربية ومسماها “اتحاد اللجان الأولمبية الوطنية العربية”؛ هذا الاتحاد (ومقره الرياض) مهمته التنسيق بين اللجان الأولمبية في كل دولة عربية، فعليها أن تنشط للقيام بمهمتها مبكرًا؛ فالأولمبياد لا يأتينا كل يوم أو كل شهر أو حتى كل سنة؛ بل كل أربعة أعوام وهي فترة كافية جدًا للتطوير من خلال التخطيط.
فعلى اللجنة أن تبدأ عملها مباشرة بعد انقضاء الأولمبياد المنتهي؛ فتبدأ بالتقييم العلمي الموضوعي لنتائجه (عالميًا وعربيًّا)؛ ثم دراسة وضعية كل لعبة على المستوى العالمي والمستوى العربي والمستوى المحلي لكل دولة؛ ثم اختيار الألعاب التي تناسبنا واستبعاد ما سيهدر جهودنا وأموالنا بلا طائل؛ ويبدأ بعدها التخطيط مع اللجان الوطنية للترشيح المبدئي للاعبين، ثم منحهم سنة كاملة للاختيار والتدريب ثم التصفية؛ وتُخصص السنة التالية للتدريب المكثف للتقييم النهائي والتصفية الأخيرة؛ ويخصص العام الأخير للتدريبات التأهيلية؛ ويخصص كذلك لتنظيم التجنيس؛ لتُعطى الأولوية في التجنيس الرياضي للاعبين العرب.
على ألا يقتصر هذا التنسيق على الدورات الأولمبية؛ بل يدوم ويستمر وينسحب على التعاون مع الاتحادات المحلية؛ ومساعدتها في الإعداد للدورات القارية والإقليمية؛ لأن النجاح فيها يُسهمُ في النجاح بالأولمبياد.
مقالات سابقة للكاتب