رسالة إلى الجامعات

من أهمِ مراحلِ التعليمِ المرحلةُ الجامعيةُ، فهي بدايةُ النضوجِ الفكري للشابِ، والمرحلةُ الحقيقيةُ لبدءِ الطلبِ، يكونُ الطالبُ فيها مهيئًا فكريًا واجتماعيًا ونفسيًا وبدنيًا لتلقي العلمِ والاستيعابِ،بخلافِ ما قبلها من المراحلِ الدراسيةِ، فماهي إلا طريقٌ وقنطرةٌ للمرحلةِ الجامعيةِ. 

وغالبُ الطلابِ في التعليم العام بحكم سنه لايزالُ محدودَ الفكرِ ضيقَ الأفقِ قاصرَ النظرةِ إلى المستقبلِ، فإذا حُرِمَ من إكمالِ دراستهِ، ولم يلتحقْ بالمرحلةِ الجامعيةِ بسببِ قصوره في اختبارِ القدراتِ والاختبارِ التحصيلي، فسيحصلُ له وقت فراغ كبيرٍ، يصيرُ فيه فريسةً للأفكارِ الهدامةِ، وغرضًا سهلًا لرفقةِ السوء، وأصحابِ المخدراتِ، وبيئةً خصبةً لتقبلِ الخزعبلاتِ والخرافاتِ وما لا يصحُ من الأخبارِ ،والقصصِ بسببِ قلةِ المعرفةِ والعلمِ. 

إنَّ المرحلةَ الجامعيةَ مرحلةٌ مهمةٌ في حياةِ الفردِ تتلاقحُ فيها الأفكارُ، ويعيشُ الطالبُ في بيئةٍ علميةٍ راقيةٍ، فيها أساتذةٌ بلغوا مراحلَ عليا من العلمِ والمعرفةِ، فيها أنشطةٌ اجتماعيةٌ وثقافيةٌ متنوعةٌ ومختلفةٌ، فيها معارفٌ وعلومٌ متنوعةٌ، تختلفُ كليًا عن مراحلِ التعليمِ العامِ !!

والسببُ الذي كتبتُ من أجلهِ هذه الكلماتِ هو كثرةُ الطلابِ الذين لم يتمكنوا من دخولِ الجامعاتِ بسببِ اختبارِ القدراتِ والاختبارِ التحصيلي، لأنهم لم يحصلوا على درجاتٍ كافيةٍ تؤهلهم للالتحاقِ بالجامعةِ !!

وهذا الأمرُ فيه نظرٌ ويحتاجُ إلى وقفاتٍ :

الأولى: إنَّ الهدفَ من التعليمِ الجامعي ليس الحصول على الوظيفةِ فقط، وإنما هذا الهدفُ تابعٌ لعمليةِ التعليمِ، ففي نهايةِ المطافِ كلُ فردٍ من أفرادِ المجتمعِ تعلّم أو لم يتعلمْ، لا بد له من مصدرِ رزقٍ يقتاتُ منه ويعولُ نفسهُ و أسرتهُ في المستقبلِ أكملَ دراسته أو لم يكملها فهذه سُنةُ الحياةِ.  

 الثانيةُ : المرحلةُ السابقةُ للمرحلةِ الجامعيةِ لم يكتملْ فيها نُضجُ الطالبِ،فربما قصَّرَ في تحصيلِ العلمِ، وربما حصلتْ له ظروفٌ أعاقته، وربما لم يكنْ مدركًا لأهميةِ هذا الأمرِ . 

الثالثةُ : وهي الأهمُ ما الفائدةُ التي سيجنيها المجتمعُ من حرمانِ هذه الفئةِ من الطلابِ من مواصلةِ العلمِ والتعلمِ، لأنه لم يتمكنْ من اجتيازِ اختبارِ القدراتِ!

فإنْ كانَ لابدَّ ولا مناصَ من هذه الاختباراتِ فلتكنْ دليلًا للطالب لمعرفةِ الكلية المناسبة له دونَ النظرِ لنتيجة الأختبار، أو تكونَ لمعرفةِ جوانبِ القصورِ والضعفِ عند الطالبِ في المهاراتِ التي لا يتقنها حتى يتداركَ ذلك في دراستهِ الجامعيةِ ،أو تكونَ لكلياتٍ معينةِ كالطب مثلًا ، المهم ألا يُحرمَ أي طالبٍ يودُّ الالتحاقِ بالجامعةِ من هذه الفرصةِ، ويُمَكَّنُ من دخولِ أي كليةٍ،حتى يتزودَ بالعلمِ والمعرفةِ كي يكونَ عضوًا فعَّالًا في المجتمعِ . فما ارتقتِ الأممُ، ولا تقدمتْ ولا تسابقتْ في ميادينِ الحضارةِ إلا بالعلمِ والمعرفةِ .

لذا أهيبُ بالجامعاتِ، وبوزارةِ التعليمِ إعادةَ النظرِ في عمليةِ القبولِ في الجامعاتِ، وألا يكون القبول مبنيًا على نتائجِ اختبارِ القدرات والتحصيلي ،وأنْ تكونَ هذه الاختباراتُ لمعرفةِ جوانبِ القصورِ والضعفِ عند الطلابِ كما ذكرتُ سابقاً، لمعرفة التخصصِ المناسبِ لكلِ طالبٍ .فإنَّ من الإجحافِ أنْ نحرمَ ابناءنا وبناتنا من هذه الفرصةِ العظيمةِ التي ظلَّ يكابدُ من أجلها سنواتٍ طوالٍ، بسبب اختبارِ ساعةٍ واحدةٍ يذهبُ بمجهود تلك السنوات هباءً !!

د. محمد الشيخي

مقالات سابقة للكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *