ما أعذرَ من أعجم

🖋️حزمت العائلة أمتعتها للسفر إلى إحدى المدن العربية.. دخلوا الفندق الذي اصطفوه مقيلاً ومبيتاً.. حينئذ وجدوا أوراقاً منشورة على المناضد، وعندما رأوها رموها؛ لأنها لا توافق لغتهم، ولا تلامس معرفتهم.

مرت الأيام، ثم أبدت لهم ما كانوا يجهلونه من خبر تلك الأوراق. دوى صوت صافرة الإنذار في الفندق منذراً بوجود حريق فيه، هبت العائلة مسرعة للخروج من الفندق؛ خوفاً من أن تنالهم ألسنة اللهب فتسلقهم، ولقد خفّ بهم الخوف حتى طوح بهم من الدور الثاني عشر في لمح البصر، فتهدهدوا من السلم (كجلمود صخرٍ حطّه السيل من علِ)…..

ولا يلام الذي يحدوه ذو نغمٍ
إن خار… أو خرّ مَنْ يحدوه ذو صخبِ

وبعد أن وصلوا إلى خط النهاية في مضمار السباق الذي قد خلا من المتسابقين غيرهم، لم يستثر عجبَهم إلا اطمئنان أهل الفندق، فقابلهم أحد عمال الفندق مستغرباً من هلعهم، ومطمْئناً لهم بأن هذا الحريق «وهميّ»، وحينما انهالوا عليه لوماً وتعنيفاً تترّس من لومهم بتلك الأوراق الأعجمية المنشورة التي كانت تنذرهم به! فما ذنبه إن كانوا عُمياً وصمًّا؟ إن على الرسول إلا البلاغ.

ولقد كانت حجتهم مدحوضةً عند أرباب الفندق، حين احتجّوا بأنهم لا يفقهون إلا لغتهم العربية. فتبخّر صراخهم وفزعهم في فضاء ذلك الفندق «الأعجمي»، دون أن يجدوا من يسمع منهم، أو يفقه عنهم رغم عروبة الأرض والأهل.

ولئن تَفَيْهَقَ مُتفيهقٌ وفغر فاه قائلاً: (قد أعْذر مَنْ أنذر) فسألجمه بـ (ما أعْذر مَنْ أعْجَم).

إن مرتادي هذه المدينة العربية من السائحين العرب الأقحاح، فما السر في مخاطبتهم بلغة أخرى (لم تتصل برواة)؟ ولْنفترضْ أن بعض قاطني ذاك الفندق من الأعاجم، فأين ذهبت عروبة أرضه ولغة أهلها؟ إن هذه القصة من مجموعة قصصية تفنّنَ في رصف حَبْكتها قومٌ تمردوا على أصالتهم، وتنكروا لهويّتهم، فأصبح أحدهم لا يلذ له الحديث إلا عندما يلفظ من فيه عربيته، ويلوك رطانة تحلو لفيه، وتمجّها آذان سامعيه.

ليست مشكلة «الحريق الوهمي» هي التي أذكت فكرة المقال، ولكن «الوهم» الذي ران على أحاسيس بعضنا بضعف لغتنا العربية، وتخلفها عن ركب اللغات هو الذي أحرق إحساسي، وقدح زناد يراعتي.

هل ضاقت اللغة العربية عن إنذار سكان ذلك الفندق، وإخبارهم بتنفيذ حريق وهميّ؟ وهي اللغة التي وسعت كتاب الله، ولم تضق عن آياته ونذره!!

حسبنا ضعفاً ما نراه في مواقفنا تجاه قضايانا الدولية، أفنضمُّ إليه الضعف اللغوي؟ أم أن هذا الضعف قد أتأم فأنتج لنا غلمانَ أشأمَ كلهم؟ (وكم عز أقوامٌ بعز لغاتِ).

ينبغي للدول العربية جمعاء أن تُسِنَّ أو تنفذ الأنظمة التي تمنح اللغة العربية حق الوطنية في ربوعها، وألا تمنح اللغات الأخرى الوافدة حق الإقامة ولو بالكفالة، بل يُفترض فرض عين لا فرض كفاية أن تمنعها من مزاحمة اللغة الأم.

مقالات سابقة للكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *