أبناؤنا ومواقع التواصل الاجتماعي

الحمدُ للهِ الواحدِ الأحدِ، الفَرْدِ الصَّمَدِ، الَّذي لم يَلِدْ ولم يُولَدْ. والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمدٍ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين.

أمَّا بَعْد:

فقد كَثُرَ الكلامُ والنقدُ والتنظيرُ عن واقعِ أطفالِنا ومستقبلِهم، وصُحبتِهم لمواقعِ التواصلِ الاجتماعِي. وأُعِدَّتِ البحوثُ والدراساتُ حولَ هذه الظاهرةِ، وأصبحَ الكلُّ يعرفُ المخاطرَ ويعي الأضرارَ عينَ اليقينِ، ومن هذه الأضرار:

أولًا: أضرارٌ في العقيدةِ، والأخلاقِ، والسلوكِ، والتوجُّهاتِ.

ثانيًا: أضرارٌ في العلاقاتِ واللقاءاتِ الاجتماعيةِ.

ثالثًا: أضرارٌ في الصحةِ النفسيةِ، والعقليةِ، والسلوكيةِ، والجسديةِ.

وأضحى الكلُّ يُحَذِّرُ ويُنْذِرُ، ويُرْعِدُ ويُزْبِدُ، ويرى تجاربَ غيرِه وأثرَ تلكَ التجاربِ. ولكنَّ الذي لا أفهمُهُ أنَّ الكلَّ مستسلمٌ خاضعٌ، وكأنَّ الخطرَ على غيرِه وليسَ عليه، وكأنَّ ولدَهُ نوعٌ خاصٌّ.

المصيبة!! أنَّ الطفلَ البريءَ، صاحبَ الفطرةِ السليمةِ، عندما يبدأُ بطبيعتِهِ في الحركةِ والنشاطِ، واكتشافِ الأشياءِ من حولِهِ بعفويةٍ وبراءةٍ، هنا نعطيهِ مواقعَ التواصل الاجتماعي، ونتركُهُ نهبًا لضررِها وعبثِها به، وبعقلِهِ، وعواطفِهِ، وسلوكِهِ، زعمًا منَّا أنَّ ذلك يُفرحُهُ ويُسعِدُهُ، ويُهَدِّئُ من روعِهِ، ويَحُدُّ من عبثِهِ، ويمنعُ خروجَهُ إلى الشارعِ.

وهنا تبدأُ الأخطارُ تُحيطُ بالناشئِ شيئًا فشيئًا، وَلَوْ رَجَعْنَا إِلَى أَنْفُسِنَا، وَتَسَاءَلْنَا:
أَيْنَ مَعْرِفَتُنَا بِخَطَرِ مَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ؟
أَيْنَ مَا شَاهَدْنَاهُ وَتَحَقَّقْنَا مِنْهُ مِنْ مَغَبَّةِ وَفَدَاحَةِ عُكُوفِ الأَطْفَالِ عَلَيْهَا؟
نجدُ أنَّ الجوابَ: هو عدمُ ظهورِ الأثرِ السريعِ لتلكَ المواقع، والتساهلِ والتغافلِ، وإنْ شِئتَ قُلِ اللامبالاة.

وهنا وقفة: فعندَ البخاريِّ ومسلمٍ والترمذيِّ والنسائيِّ، من حديثِ عبدِ الله بنِ عمرَ -رضي الله عنهما- عن النبيِّ -ﷺ- قال: (كُلُّكُم راعٍ وكُلُّكُم مسؤولٌ عن رعيتِهِ، فالأميرُ الذي على الناسِ راعٍ عليهم وهو مسؤولٌ عنهم، والرجلُ راعٍ على أهلِ بيتِهِ وهو مسؤولٌ عنهم، والمرأةُ راعيةٌ على بيتِ بعلِها وولدِهِ وهي مسؤولةٌ عنهم، وعبدُ الرجلِ راعٍ على بيتِ سيدِهِ وهو مسؤولٌ عنهُ، ألا فكلُّكُم راعٍ وكلُّكُم مسؤولٌ عن رعيتِهِ).

فهل نستشعرُ تلكَ المسؤوليةَ؟ ونقومُ بالرعايةِ الشرعيةَ؟

وهنا وقفة أخرى: مع حديثٍ عظيمٍ من أحاديث الرسولِ -ﷺ- عندَ البخاريِّ ومسلمٍ من حديثِ أبي هريرةَ -رضي الله عنه-: (كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدانِه أو يُنَصِّرانِه أو يُمَجِّسانِه).

فكلُّ مولودٍ يولد وهو قابلٌ لدين الإسلام؛ لأنَّ فطرته تتقبلُ هذا، لكن الفطرة قد تتغير بسبب التربية السيئة. فهل نستشعرُ أنَّ مواقعَ التواصلِ الاجتماعيِّ قد تهدمُ تلكَ الفطرةَ؟

وهنا يَردُ إشكالٌ: وهو أنَّ الحاجةَ ماسةٌ إلى مواقعَ التواصلِ الاجتماعيِّ، والضرورةُ ملحةٌ في التعاملِ معها، وهي وسيلةٌ فعالةٌ في التعليمِ والتدريبِ وغيرها من أمور الحياة.

والجواب على ذلك: هو التوسطُ والاعتدالُ في تعاملنا مع مواقعَ التواصلِ الاجتماعيِّ. وقد ذكرَ علماءُ السلوكِ وخبراءُ هذا المجالِ لكلِّ مرحلةٍ من مراحلِ الطفلِ والمراهقِ والشابِّ وقتًا وقدرًا وطريقةً في التعاملِ معها.

وعلينا أن نسلكَ بأبنائنا طريقًا واضحةَ الخطواتِ في التعاملِ مع مواقعَ التواصلِ الاجتماعيِّ:

أولًا: تحديدُ سبب وحاجة استخدام أبنائنا لمواقعَ التواصلِ الاجتماعيِّ، سواء كانت للدراسة، أو العمل، أو الترفيه. وهنا نزنُ كلَّ حاجةٍ بما يناسبُ تحقيقَ المقصودِ منها.

ثانيًا: تقنينُ زمن الاستخدام لهذه المواقع. فلا نهدرُ الوقتَ بدون طائلٍ.

ثالثًا: التوازنُ بين الحياة الرقميةِ والتفاعل الشخصي للأبناء بتنظيم اللقاءات الودية مع الأصدقاء والعائلة بعيدًا عن الشاشات، وإعادة اللحمة الأسرية.

رابعًا: المساعدةُ في اختيار المحتوى الذي يتناسب مع اهتمامات أبنائنا بعناية، ونتجنبُ المحتوى الذي قد يكون مضيعةً للوقت.

خامسًا: غرسُ الوعي والمراقبة الذاتية في نفوس الأبناء بما يكبحُ جماحَ سطوةِ هذه المواقع.

سادسًا: الاستفادةُ من استخدام التطبيقات المفيدة التي تساعدُ على تحسين الإنتاجية وتعززُ جانبَ الإبداع والابتكار.

وختامًا: فإنَّ مواقعَ التواصلِ الاجتماعيِّ أصبحت واقعًا لا يمكن تجاهله في عالمنا المعاصر، ولم تعد مجرد أدواتٍ ترفيهيةٍ فحسب، بل تحولت إلى جزءٍ أساسيٍّ من حياتنا اليومية، فقد اقتحمت بإيجابياتها وسلبياتها كلَّ منزلٍ وأصبح واقع الأسرة اليوم يختلف عن الأمس، وظهرت تحدياتٌ عديدةٌ في العلاقة بين الآباء والأبناء.
فالمسؤوليةُ كبيرةٌ، والأمانةُ عظيمةٌ، والحملُ ثقيلٌ، لذا يجبُ علينا تعزيزُ مهاراتِ الرقابة الذاتية التي تجعلُ أبناءَنا في مأمنٍ من أضرارِ مواقعَ التواصلِ الاجتماعيِّ وتبنيها بشكلٍ إيجابيٍّ لضمانِ الاستفادة القصوى منها بالوعي والمعرفة.

والحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلَّ اللهم وسلِّم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

مقالات سابقة للكاتب

8 تعليق على “أبناؤنا ومواقع التواصل الاجتماعي

غير معروف

بارك الله فيك وجزاك الله خير الجزاء

العود الهندي

فتح الله عليك فتوح العارفين واسبل عليك من النماء حتى يرضيك..

قراءتي الليلة مع الخميس الونيس إن شاء الله

جزاك الله خير يا قلبي

غير معروف

بارك الله فيك ونفع بك وبعلمك الإسلام والمسلمين
الله يحفظك شيخ محمد ابو احمد

غير معروف

جزاك الله خير

أم امجد

بارك الله فيك واحسنت القول ياسندي في الدنيا

غير معروف

بارك الله فيك وزادك من فضله ونفع الله بعلمك الأمه

غير معروف

مشاء الله نفع الله بكم ياشيخ محمد وبارك لك وزادك من علمه كتب الله اجرك

محمد حسن

بارك الله فيك وفي طرحك الهادف سلمت يمينك 🌹

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *