التزوير وتغيير الحقائق من منظور فلسفي

لا شك أن التزوير وتغيير الحقائق له أثر سيء على الفرد والمجتمع وأيضا على المؤسسات التعليمية لما له من انعكاسات سلبية تضر بالمزور نفسه وبمجتمعه وربما يقع ضرر بالغ بشخص أو مجموعة أشخاص، ويعد جريمة في كل الأديان والأعراف الدولية، ولا يخلو نظام في أي دولة أو مؤسسة أو هيئات سواء حكومية أو غير حكومية من مخالفة التزوير والعقوبات على هذه الجريمة ، لأنه أخذ شيء دون وجه حق وبدون بذل أي جهد ومجاوزة النظام في ذلك، وتكون هذه العقوبات حسب نوع التزوير ومجاله وتختلف هذه العقوبات في أنظمة الدول لكن غالبيتها تتفق في السجن والغرامات المالية، ويكون هذا التزوير في الأوراق الرسمية والتعديل عليها أو تزوير ختم وتوقيع واستخدامها في أوراق غير رسمية أو تزوير العملات النقدية.

ويعتبر التزوير أيضا شكل من أشكال الغش والذي حرمه الإسلام وحذر منه وشدد عليه وكما قال صل الله عليه وسلم ((من غشنا ليس منا)) ، أيضا التقنية والتقدم التكنولوجي سهلت من عمليات التزوير بواسطة برامج يستخدمها المزورين وباحترافية وربما أصبحت سوق رائجة في بعض البلدان وخاصة الفقيرة منها والتي يكثر فيها الفساد مما يسهل عمليات التزوير والذي وصل حتى إلى التزوير في الانتخابات.

والتزوير في اللغة مشتق من كلمة زوّر، والزور هو الكذب والباطل، فالتزوير في تلك الحالة يعني تزيين الكذب، وزوّر الشيء تزويرًا أي حسنّه وقومّه.

والفلسفات القديمة تدعو إلى أهمية البحث عن الحقيقة والتمسك بالقيم الأخلاقية كوسيلة لمواجهة كلما يقدح في الفطرة البشرية والأخلاق وتناولت الفلسفة المثالية مسألة الحقائق بأن الحقيقة ليست مجرد واقع موضوعي، بل هي نتيجة للتفكير والوعي.

كانط على سبيل المثال، اعتبر أن معرفتنا بالعالم مرتبطة بطرق تفكيرنا. وبالتالي، يُعتبر تغيير الحقائق انتهاكًا لفهمنا الحقيقي، وفي فلسفة هيجل، يُعتبر التطور الذاتي والوعي الأخلاقي أمرًا محوريًا. ويُعيق التلاعب بالحقائق التقدم، مما يمنع الأفراد من تحقيق وعي حقيقي بأنفسهم وبالعالم، وانتقد المثاليون تغيير الحقيقة في سياق القيم الاجتماعية والسياسية، حيث إن التلاعب بالحقائق يمكن أن يؤدي إلى مجتمع غير متوازن وعنيف، ويفقد القيم الأخلاقية الأساسية، وتناولت الفلسفة المثالية أيضًا دور اللغة في التلاعب بالحقائق. اعتبر كانط وهيجل أن التعبير الدقيق عن الأفكار أمر ضروري للحفاظ على الحقيقة.

بالتالي، تعتبر الفلسفة المثالية أن التزوير وتغيير الحقائق يمثلان تهديدًا لمفهوم الحقيقة والمعرفة، وتدعو إلى التفكير النقدي والتعبير الصادق كوسيلة لمواجهتهما، كما اعتقد افلاطون أن الحقائق العليا موجودة في عالم المثل، وأن العالم المادي ما هو إلا انعكاس لها.

ومن الجانب التعليمي والتربوي ففي المدارس البريطانية، توجد لوائح سلوك ومواظبة تهدف إلى ضمان انضباط الطلاب والحفاظ على بيئة تعليمية آمنة ومحترمة. هذه اللوائح تتناول مختلف أنواع المخالفات السلوكية، بما في ذلك مخالفة التزوير.

والتزوير في السياق المدرسي يشير إلى أية محاولة للاحتيال أو الكذب فيما يتعلق بالأعمال الدراسية، وقد يشمل الغش في الامتحانات كاستخدام مواد غير مصرح بها أو طلب مساعدة من الآخرين خلال الامتحان، والانتحال كتقديم عمل شخص آخر على أنه عمل الطالب نفسه وتزييف الوثائق كاستخدام توقيعات أو شهادات مزورة، أو تغيير الدرجات في الوثائق الرسمية.

وعقوبات التزوير في المدارس البريطانية تعتمد على شدة المخالفة وسجل الطالب السلوكي فقد يتم تحذير الطالب بشكل رسمي وإبلاغ والديه بالمخالفة وإعادة العمل أو الاختبار: في حالة تقديم عمل مزور، قد يُطلب من الطالب إعادة تقديم العمل أو إعادة إجراء الاختبار وفي بعض الحالات، يتم رفض قبول الامتحان أو المشروع، ويُمنح الطالب علامة صفرية ويتم إيقاف الطالب عن الحضور للمدرسة لفترة زمنية محددة والفصل النهائي في الحالات الأكثر خطورة أو في حالة التكرار، وقد يتم فصل الطالب بشكل نهائي من المدرسة، والمدارس البريطانية تشدد على ضرورة النزاهة الأكاديمية، ويتم عادة توعية الطلاب وأولياء الأمور بهذه القواعد والإجراءات. من المهم أن يفهم الطلاب أن التزوير لا يؤثر فقط على درجاتهم الدراسية، بل قد يكون له عواقب طويلة الأجل على سمعتهم الأكاديمية والمهنية.

وقضية التزوير وتغيير الحقائق في النظام التعليمي السعودي تعتبر قضية ومخالفة تستحق العقوبات عليها حسب درجة ونوع هذا التزوير فالغش في الاختبارات وهو من مخالفات الدرجة الثانية يكون أخف عقوبة من تزوير توقيع ولي دون علمه والذي هو من مخالفات الدرجة الثالثة وتزوير الوثائق الرسمية يكون أشد من السابقتين لأنه من مخالفات الدرجة الرابعة والاستفادة من هذه الوثائق والأختام المزورة أو الرسمية بطرق غير مشروعة يعتبر من مخالفات الدرجة الخامسة وتختلف هذه العقوبات حسب نوع هذا التزوير ودرجة المخالفة فتكون ما بين تعهد و إشعار ولي الأمر وحسم من درجات السلوك والمواظبة (حسم حسب المخالفة ) وإنذار الطالب بالنقل أو نقله إذا استدعى الأمر أو حرمانه من الدراسة لمدة شهر إذا كانت مخالفته من الدرجة الرابعة وقد يحرم الطالب مدة العام الدراسي الذي حدثت فيه المخالفة إذا كانت المخالفة من الدرجة الخامسة.

وختاما فإن التزوير يُعتبر مخالفة خطيرة تتطلب معالجة فورية، من المهم أن يكون لدى الطلاب فهم واضح للعواقب المرتبطة بهذا النوع من السلوك، وأن يتم تشجيعهم على الالتزام بأعلى معايير الأمانة الأكاديمية، كما يجب على الوزارة والإدارات التعليمية والمدارس والإعلام القيام بدورها التوعوي وتثقيف الطلاب بهذه المخالفة والمخالفات ككل، والأهم من هذا كله هو تنمية الوازع الديني لدى الطالب وتعزيز الخوف من الله سبحانه وتعالى لأن الإنسان كلما عرف الله عرف حدوده فتوقف عندها واستشعر رقابة الله عليه.

 

محمد عطيه الحارثي

مقالات سابقة للكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *