عندما خطوتُ أولى خطواتي داخل معرض حراء الثقافي بمكة، شعرتُ بأنني أترك خلفي عالم المادة وأدخل عالماً من الروحانية والعظمة. كانت التجربة أكثر من رائعة، بل كانت رحلة قلبية أخذتني إلى أعماق التاريخ والإيمان، حيث تلامست روحي مع قصص الأنبياء والرسل وكأنني أعيش معهم تلك اللحظات المقدسة.
منذ اللحظة الأولى، أدركتُ حرص المعرض على شمول كل من له صلة بحادثة الغار، مما جعل التجربة تنبض بالحياة والتكامل. تجولتُ بين أقسام المعرض، وكل قسم يأسرني أكثر من الذي قبله. رأيتُ كيف بدأ الوحي الإلهي مع آدم عليه السلام، وشعرتُ بوقع خطوات نوح وهو يصنع فلكه العظيم، وتأثرتُ بقصة إبراهيم وأبنائه وهم يجسدون أسمى معاني التضحية والإيمان. لم تكن مجرد قصص تُروى، بل كانت مشاهد حية تجسدت أمام عينيَّ، تلامس قلبي وتُثير فيَّ أعماق المشاعر.
وعندما دخلتُ قاعة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وجدتُ نفسي محاطًا بأجواء من النور والسلام. الأضواء المتفاعلة والشاشة السينمائية العريضة كانت تنقلني عبر الزمن، أعيش مع النبي خطواته، أستشعر معاناته، وأفرح بانتصاراته. كل مشهد كان يروي قصة حب وإيمان لا مثيل لها، وكنت أشعر وكأنني جزءٌ من تلك القصة الخالدة.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد أسرني معرض خديجة بنت خويلد رضي الله عنها. المكان بني بلون اللؤلؤ وتتداخل بن جدرانه بريق عجيب كما لو أنه بني مستوحى من حديث النبي صلى الله عليه وسلم لها: “بيتٌ من قصبٍ لا صخب فيه ولا نصب”. شعرتُ بالسكينة تغمرني ٫ كانت خديجة ليست مجرد زوجة للنبي، بل شريكة في الرسالة، ومثالاً يُحتذى به في الوفاء والصبر.
وتجربة الدخول إلى الغار الافتراضي كانت مذهلة ، بالرغم من أنني صعدتُ إلى غار حراء عندما كنتُ صغيرًا، إلا أن هذه التجربة أحيت فيَّ ذكريات جميلة.
الغار، بتصميمه المطابق للأبعاد الحقيقية، جعلني أشعر وكأنني أقف في نفس المكان الذي نزل فيه جبريل عليه السلام بالوحي لأول مرة. رهبة المكان وعظمته غمرتني، وأنا أستحضر تلك اللحظة التاريخية التي غيرت مجرى البشرية.
في أروقة المعرض، توقفتُ أمام نسخٍ عتيقة من القرآن الكريم، كل واحدة منها تحمل في طياتها قصصًا وحكايات من عصورٍ مضت. لكن ما أذهلني حقًا كان رؤية مصحفٍ صنعته امرأة باكستانية، قضت ثلاثين عامًا في خياطة كل حرف من حروفه بيديها. يا له من تجسيدٍ للإيمان والصبر! شعرتُ بتواضعٍ كبير أمام هذا العمل العظيم، والذي يعكس حبًا لا يُوصف لكلام الله.
كما مرر بمعرض جبريل عليه السلام، وتعرفتُ أكثر على دوره المحوري في نقل الرسالات السماوية. كانت التفاصيل المعروضة تفتح أمامي أبوابًا من الفهم والتأمل، وتزيد من ارتباطي الروحي بتلك القصص الملهمة.
حرص المعرض على تجسيد كل من له صلة بحادثة الغار، جعلني أعيش تجربة شاملة تفيض بالمشاعر والإلهام. لم تكن زيارة عادية، بل كانت رحلة قلبية أخذتني إلى عوالم من الروحانية والسلام الداخلي. شعرتُ بأنني أقرب ما أكون إلى الله، وأن كل ما رأيته ولمسته يُذكرني بعظمة الخالق ورحمته.
غادرتُ المعرض وقلبي ممتلئ بفيضٍ من المشاعر، وعيوني تلتمع بدموع التأثر والامتنان. كانت تجربة لا تُنسى، ستبقى محفورة في ذاكرتي ما حييت. أدركتُ أن معرض حراء الثقافي بمكة ليس مجرد مكانٍ للزيارة، بل هو محطة للتأمل والتجديد الروحي.
أنصح كل من تتاح له الفرصة بزيارة هذا المعرض الفريد. دعوا قلوبكم تنطلق في رحلة من الإيمان ، ولتعيشوا تجربة ستغير نظرتكم للحياة، وتُعمّق إيمانكم، وتُذكركم بأننا جزءٌ من قصةٍ أكبر، قصة خلفاء الله في الأرض.
مقالات سابقة للكاتب