البكاء على الأطلال

إنّ الحديث عن أمجاد الأجداد بات جزءًا من حياتنا اليومية، وكأن ماضينا بات يعوّض عما نعيشه من حاضر قاسٍ. لكن هل يحق لنا، حقًا، الفخر بماضي أجدادنا العرب ونحن لم نكن جزءًا من تلك الانتصارات ولم نقدم أبسط الجهود للحفاظ على إرثهم؟

عندما نتحدث عن بطولات الأمة العربية وانتصاراتها التي أضاءت صفحات التاريخ، نجد أنفسنا أمام خذلان مزدوج.

فقد خذلنا أجدادنا مرتين؛ المرة الأولى حين تخلّينا عن مسيرة النصر، فلم نحافظ على المكتسبات ولم نكمل الطريق. والمرة الثانية، حين فرّطنا بما حققوه وأضعنا ما كان يمكن أن يكون أساسًا لتقدمنا وازدهارنا. فهل نستحق إذن هذا الفخر، ونحن لم نكن سوى متفرجين على ماضٍ لامع دون أن نمتلك عزيمة الحفاظ عليه؟

لقد أطلقت عائشة الحرة، والدة عبد الله الصغير، آخر ملوك غرناطة، كلمات خالدة في لحظة سقوط غرناطة.

فقد قالت له حينها: “ابكِ كالنساء على ملكٍ لم تحافظ عليه كالرجال”. وفي هذا القول، تتجلى قسوة الخذلان؛ إذ تحولت عزة ملك عريق إلى دموع لا تُعيد أمجادًا، تمامًا كما هو حالنا اليوم، نبكي على أطلالٍ تركها لنا الأجداد دون أن نتمكن من الحفاظ عليها.

لكن ماذا لو جاء أصغر أبنائنا، وسألنا ببراءة واستفهام مؤلم: “تحدثوننا كثيرًا عن أفعال أجدادكم وإنجازاتهم التي تملؤون بها مسامعنا. لكن ماذا فعلتم أنتم؟ وماذا قدمتم بما ورّثه لكم هؤلاء الأجداد؟” هل لدينا حقًا جواب لهذا السؤال؟ هل تستطيع أمة العرب قاطبة أن تقدم إجابة مقنعة لهذا الطفل الصغير، الذي لا يرى في حاضرنا ما يُقارن بما نفتخر به من ماضٍ؟

نعم، لدينا تراث غنيّ، وحضارات عريقة، وإنجازات يُشهد لها. لكن مجرد البكاء على الأطلال وإلقاء الخطب والقصائد لا يُعيد تلك الأمجاد، ولا يصنع مجدًا جديدًا. إنّ كلّ هذا الإرث الذي نفتخر به لا يمكن أن يُعطينا عزّتنا الحقيقية إلا إذا واصلنا البناء عليه وعملنا على الحفاظ عليه، ليس بالكلام بل بالأفعال.

إذًا، علينا أن نعي بأن الفخر الحقيقي لا يُبنى على الماضي فحسب، بل على ما نقدمه اليوم لأمتنا ولأجيالنا القادمة.

علينا أن ندرك أن الزمن لا ينتظر، وأن الأمم لا تُبنى بالبكاء على الأطلال، بل بالعزيمة والإصرار على تحقيق المجد من جديد، حتى إذا جاء يومٌ يفتخر فيه أبناؤنا بما صنعناه، كانت لدينا إجابة جديرة بالفخر.

وإلا امامنا إحدى هذين الخيارين :
إما أن نجد إجابة تسكت تساؤل هذا الابن الصغير ، أو أن نكف عن إنجاب الأبناء وهناك خيار ثالث استبعدته قبل أن اطرحه عليكم وهو أن ندخل عقول أبناءنا الصغار ونمنع هذا السؤال البسيط في أن يدخل في عقولهم .!
فهل إلى أحد هذه الخيارات من سبيل ؟

*خروج عن النص*

لابن الجوزي :

*بقدر إجلالكم لله – عز وجل- يجلكم وبمقدار تعظيم قدره و احترامه بُعظم أقداركم ، و حرمتكم*

 

فايز حميد البشري

مقالات سابقة للكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *