في عالمنا العربي، يكاد يكون غياب النماذج الإدارية الرائدة والنموذجية أمرًا ملحوظًا، فما هي أسباب ذلك؟
لماذا نرى علم الإدارة، كما يُدرس ويُطبق في جامعاتنا وكلياتنا، يبدو وكأنه نتاج غربي بحت؟ فهل كان للإدارة بصمة حقيقية عند العرب والمسلمين أم أنّ هذا العلم، بطابعه الحالي، مجرد منهج مستورد؟
ما نلاحظه وتعايشنا معه أن المناهج الإدارية في مؤسساتنا التعليمية تعكس التوجه الغربي البحت، ما يُظهر علم الإدارة وكأنه لم يكن يومًا في متناول علماء العرب والمسلمين.
الكتب والمراجع العربية التي تدرس هذا العلم تكرس لمدارس الإدارة الغربية، بدءًا من المدرسة الكلاسيكية إلى العلمية، البيروقراطية، السلوكية، وصولًا إلى المدارس الحديثة.
لكل مدرسة من هذه المدارس رائد غربي، مثل فريدريك تايلور، وآدم سميث، وأبراهام ماسلو. لا يُذكر لنا مرجع عربي أو إسلامي واحد يتمتع بمكانة تؤهله ليمثل مدرسة إدارية عربية أو إسلامية، وكأن تراثنا الإسلامي والعربي يفتقر إلى نموذج إداري يُحتذى به.
هنا، يُطرح سؤالٌ جاد: لماذا لا يضع مؤلفونا العرب والمسلمون نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كنموذج إداري وقائد مثالي؟ إنه ليس مجرد شخصية تاريخية عظيمة؛ فقد شهد له الغرب نفسه بأنه أعظم رجل في التاريخ، حتى منحه مايكل هارت في كتابه “الخالدون مائة” المرتبة الأولى بين أعظم شخصيات البشرية. هذه شهادة من الغرب على عظمة قائدنا، فكيف نغفل نحن عن اتخاذه مرجعًا للإدارة والقيادة؟
رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم كان قائدًا وإداريًا حكيمًا يتمتع بقدرات فذة في التواصل وإدارة العلاقات بينه وبين أصحابه، بل وحتى مع أعدائه. في سيرته الكثير من الأمثلة التي تعكس نموذجًا متكاملًا للقيادة، مثل أسلوبه في تفويض المهام، تشجيعه للابتكار، ودعمه لروح الفريق. ولعلّ قول الله سبحانه وتعالى: “وإنك لعلى خلق عظيم”، خير دليل على كمال شخصيته الإدارية والأخلاقية.
إذا كانت هذه الشهادات وهذه الوقائع واضحة في تاريخنا، لماذا يعجز مفكرونا وأدباؤنا وباحثونا الأكاديميون عن توثيقها وتقديمها كنماذج إدارية تُدرّس؟ العيب، بلا شك، ليس في تراثنا، بل فينا نحن الذين لم نبذل جهدًا كافيًا لإبراز هذه الجوانب المشرقة من سيرة رسولنا الكريم. لقد اكتفينا بتقليد المناهج الغربية وتقديم نظرياتهم في الإدارة، دون أن ننظر إلى تاريخنا الذي يزخر بالنماذج التي يمكن أن تنافس بل وتتفوق على كثير من الأطر الإدارية الغربية.
*رسالة إلى كل طالب علم، مفكر، معلم، أستاذ، وبروفيسور عربي:*
أمامك مهمة سامية وفرصة فريدة لتقديم نموذج إداري متكامل مستوحى من سيرة رسولنا صلى الله عليه وسلم. اجعل من سيرته أساسًا لمؤلفٍ جديد، يعرض بوضوح وبالأمثلة كيف أدار الرسول صلى الله عليه وسلم شؤون دولته، وكيف تعامل مع أصحابه ومرؤوسيه بحكمة وتواضع وخلق عظيم. هذه دعوة مفتوحة لكل من يسعى للريادة في مجال الإدارة والقيادة ليعود إلى مصدر فريد، نقي، ومعترف به عالميًا في عظمته وإنسانيته، وينقل إلى العالم صورة متكاملة للقائد الذي زكاه الله بقوله: “وإنك لعلى خلق عظيم”.
*خروج عن النص*:
لابن القيم :
*للعبد ستر بينه و بين الله ، وستر بينه وبين الناس ، فمن هتك الستر الذي بينه و بين الله هتك الله الستر الذي بينه و بين الناس*
فايز حميد البشري
مقالات سابقة للكاتب