🖋️ تقرأ أو تسمع أن من الأمور المهمة: (أن تعرف نفسك)، وبالطبع المراد يختلف بحسب السياق، لكن بإجمال: حقًا من المهم أن تعرفها.
إنك إذا عرفتها؛ تنبّهتَ إلى التغيّر فيها من أولِ وهلة! وهذا ما يُمكّنك من محاولة السيطرة عليها منذ البداية، فإذا دبّت بوادر الغيرة أو الحسد أو الطيش أو العنف ونحو ذلك؛ عرفتَ ذلك منذ البداية، وقلتَ لها: مهلًا مهلًا، لا أريد لنفسي أن تكون هكذا!
والعكس في الخصال الطيبة، فتُتيح لك المعرفة بنفسك أن تُمسِك بزمامها فتُوجهها، وتُنمّي جانب الخير فيها، فإذا لَحَظْتَ بادرة عَون أو كرم أو غبطة أو إيثار ونحو ذلك؛ أدرَكْتَهم حينها، وأخذْتَ نفسَك في اتجاههم رُويدًا رويدًا؛ حتى يكون ذاك طبعك الذي تريد.
وإنك لَتُدرك بهذه المعرفة أهواءَ نفسك، والتي تلج إلى الشهوات أو الشبهات من خلالها، وتَعمى بصيرتك عن اتباع الحق والهدى بسببها، فإن لم تُكسِبك معرفتك بنفسك إلا إلمامًا بأهوائكِ لكفى بها فائدة! فالهوى داء، والانسياق خَلفه انسياقٌ وراء هاويةٍ من الغرور بالنفس، والعلو بالذات!
وكيف يُؤمِّلُ الإنسانُ رُشدًا
وما ينفكُّ متّبِعًــا هـــواهُ؟
*****
يـظـنُّ بنـفسـِــهِ شـــرفًــــا وقَــــدْرًا
كأنَّ اللهَ لم يخلُق سِواهُ!”
وأزعم أن الأمر فوائده أكثر من ذلك، فمن فقِه نفسَه عرف كيف يختار صَحبه، وليس الأمر عنده مجرد الظروف التي تُهيئ لبعض الأنفس الاجتماع في مكان، بل مَن عرف نفسه؛ لمح شبيهها أو قُدوتها في غيره، فأقدم وبادر لللتعرّف عليه، وتوثيق أواصر القربى لديه، ومَن لمح اختلافَه العميق الذي لا يُمكن ردم فجوته؛ نأى بنفسه عنه، واقتصر على المطلوب والواجب من مواقف الاجتماع معه.
وحين تعرف نفسك جيدًا؛ يمكنك تجنب المواقف والمحادثات التي ستؤلمك، وتلك التي ستُظهر ضعفك، فيمكنك من خلال هذه المعرفة صيانة نفسك، وحفظها عن إظهار الضعف والفَاقَةِ أمام الخَلْق. وحين تعرفها تستطيع أن تخطو نحو علاج ضعفها، ومَوضع مرضها، وهذا يحميك من المكابرة، وادعاء الكمال، ولوم الآخرين… فأنت تعرف داءَك، وساعٍ في مداواته، وكفى بهذا كرامةً وفخرًا.
أنتَ محسنٌ إلى نفسك أيما إحسان؛ حين تكون على درايةٍ بمحاسنها ومساوِئها، ومُقرٌ بالجانبين دونما مكابرة، ولا إفراط في جانب وتفريطٍ في آخر. يكفيك أنك بهذه الدراية منشغلٌ بإصلاح نفسك بدل تسليط الضوء على مساوئ الآخرين، ولا أعني بهذا أنك لا تُسدي نصيحةً ولا تُبدي استنكارًا لمنكرٍ بيّن، بل أعني أنك تُدرك يقينًا أن ما لكَ قدرةٌ على إصلاحه هو أنت، بينما الآخرون فكل ما هنالك كلامٌ تقوله، وعلى الناس الفعل، اللهم إلا أفرادًا معدودين، قد يكون لك معهم أكثر من القول بقليل.
قال الله تعالى: {قد أفلح مَن تزكّى} [الأعلى:14] “قد فاز وربح مَن طهّر نفسه ونقّاها من الشرك والظلم ومساوئ الأخلاق” [تفسير السعدي] وقال سبحانه: {قد أفلح مَن زكّاها، وقد خابَ مَن دسّاها} [الشمس:9-10] “قد فاز بمطلوبه مَن طهّر نفسه بتحليتها بالفضائل، وتخليتها عن الرذائل، وقد خسر مَن دسّ نفسه مخفيًا إياها في المعاصي والآثام” [المختصر في التفسير] يمكننا أن نبدأ تطهير نُفوسنا من المساوئ بعد ثلاثة أنواع من المعرفة: معرفة المساوئ للتخلص -أو التّخفّف- منها، ومعرفة الفضائل للرُقي بها والتحلّي بُحليّها، ومعرفة أنفُسِنا وأحوالها قُربًا وبُعدًا ومواقعةً.
أظن أنه من الصعب المبادرة لإصلاح الذات وصعود الدرجات العُلى في تربية النفس لـمَن لا يعرفُها! فلا يفهم تفسير تلك الخَلجات التي تُراوده، ولا يُحسن تفسيرها، أو اعتاد على تجاهلها دون مساءَلةٍ أو تفكير. فلنتوقف مع أنفسنا يرحمكم الله، ولنحسن تربيتها قبل أن يحلّ لِجامُها!
اللهم آتِ نُفوسنا تقواها، وزكّها أنت خير من زكّاها.
✍️ جمانة بنت ثروت كتبـي
مقالات سابقة للكاتب