عندما عبرت عن مشاعري العميقة الصادقة تجاه صديقي الغالي أبو نواف في مقالة تحت عنوان ( أبو نواف) والتي حظيت بصدى كبير وتعتبر أكثر مقالاتي من حيث عدد المشاهدات والتعليقات أيضاً.
كان هناك حوار بيني وبين أحد الفضلاء عن أهمية التعبير عن المشاعر تجاه الأقارب والأحبة ومن تربطنا بهم علاقة طالما أنهم أحياء ، وذكر لي في حواره أن الكثير من الكتّاب والشعراء لا تفيض قريحتهم الشعرية ولا تبدأ أقلامهم في معانقة الأوراق تعبيراً عن الوجد والحب إلا بعد الفقد والفراق أو الوفاة.
ففي أحيان كثيرة نجد أن البعض يبخل في التعبير عن مشاعرة ، ويجعل مشاعره الصادقة حبيسة الوجدان والقلب إلى أجل غير معلوم.
وكما يقال وردة تهديها لمن تحب خيرٌ من ألف قبلة ترسمها على جبين ميت.
وقد جاء الشرع الحنيف بالتواد والتحاب بين المسلمين ، كما في الحديث الشريف :( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) ، وكما في الحديث المشهور : ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) ، ولم يكتف بالأمر بالحب بين المسلمين ، وإنما أمر بالإخبار بهذه المشاعر ونشر ثقافة الحب في المجتمع الإسلامي ؛ فقد جاء عنه عليه الصلاة والسلام قوله :( إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحبه) ، وأمر الصحابي الذي قال بأنه يحب أخا له في الله أن يُعلم أخاه بمحبته له ، وفي حديث عمرو رضي الله عنه لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم من أحب الناس إليك قال عائشة ، ولما قال له من الرجال ، قال: أبوها ، وقال عن أبي بكر :(لو كنت متخذا خليلا من أمتي لاتخذت أبا بكر خليلا) ؛ والخلة درجة فوق المحبة ، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال لمعاذ :( يامعاذ والله إني لأحبك ) ، والنصوص والشواهد في هذا أكثر من تعد وتحصى .
والشيء بالشيء يذكر أتذكر أنني قرأت كتاب بعنوان (أهم خمسة أشياء يندم عليها المرء عند الموت ) للمؤلفة بروني وير ، ذكرت فيه أن من أكثر الأشياء التي يندم عليها الذين يشارفون على الموت هو عدم تعبيرهم لما يكنّوه من مشاعر لمن يحبون في وقت مبكر.
الحب الصادق العفيف الطاهر من أنبل وأسمى المشاعر الإنسانية بين البشر ، به تكون الحياة وردية وجميلة ومن خلاله يتم توطيد وبناء العلاقات ومن خلاله يمكن للمرء تحدي صعوبات ومعاناة الحياة.
وللأسف فمن ينظر لمجتمعنا يجد أننا مقلون في التعبير عن الحب والمشاعر ، ولربما أن ثقافة المجتمع والعادات التي نشأنا عليه لعبت دوراً محورياً في ذلك ، فمن من المعلوم أننا مجتمع بدوي والبداوة تنمي جانب الجفاء في الإنسان ، وقد جاء في بعض الآثار : ( من بدا جفا ) ، وقصة الاقرع ابن حابس معروفة مشهورة ؛ لما قال للنبي صلى الله عليه وسلم عندما قبل الحسن بن علي ، لي عشرة من البنين ما قبلت واحدا منهم ، فقال له:( من لايرحم لا يرحم ) ، وقال للأعراب الذين أنكروا عليه تقبيل الصبيان :( أو أملك إن كان الله نزع منكم الرحمة) ، فكل هذه الأمور تدل على عدم انتشار ثقافة إظهار الحب في مجتمعنا والله المستعان.
وعندما كنت مع صديقي الغالي الدكتور حسني جاءه إتصال هاتفي فإذا به تنفرج أساريره ويتهلل وجهه بالفرح ويعبر بمشاعر من الحب الدافئ فيقول ( إزيك يا حبيبتي يا أيوي) حينها عرفت أنه يكلم ابنته الكبرى آيه ويدلعها بإن يقول لها ( أيوي) أخذ صديقي وابنته يتحدثون ويضحكون ، مكالمة كانت جميلة جداً فيها أسمى مشاعر الحب الصادق بين الأب وابنته.
بعدما أنهى صديقي مكالمته مع ابنته تحدثت إليه متعجباً من لطف الحديث وجمال المشاعر بينه وبين ابنته وقلت له للأسف نحن لسنا مثلكم في التعبير عن المشاعر وقلت له لماذا نحن هكذا لدينا جفاف في التعبير عن المشاعر؟!
فأجابني بحكمة أنه من الضروري أن يكون الحب بين الأب وأبناءه جلياً ومستمراً ، وقال لي هكذا تترابط الأسرة عندما يكون الحب شعارها ، ولفت انتباهي إلى ملحظ مهم ؛ حيث قال لي أن الأبناء إذا لم تشبع لديهم هذه الحاجة ربما يبحثون عن هذه المشاعر من طرق ملتوية و غير صحيحة ، وتحدث حينها المشكلات التي يصعب حلها وتتمزّق وحدة العائلة وربما ينهدم بناءها واستقرارها.
ثم قلت له : كيف أصبح مثلك أعبر عن مشاعري بكل يسر وسهولة؟ قال لي: عوِّد نفسك على التعبير عن مشاعرك التي تكنها لمن تحب فالمسألة مسألة ممارسة لا أكثر.
فعلاً نحن في أمسّ الحاجة لأن نعبر عن مشاعرنا لمن نحب في كل وقت وحين ، ويجب علينا أن نتحين الفرص للتعبير عن الحب والمشاعر ، فالحياة والعلاقات تكون أجمل وأقوى عندما يتسيد الحب عالمنا.
أحبكم جميعاً.
نوار بن دهري
NawarDehri@gmail.com
مقالات سابقة للكاتب