في القِدم عندما كنا صغاراً ونحن نسير في الطرقات نلتقط أي ورقة فيها كتابة ونقرأ ما سُطرَ فيها بتلهف ، ونقرأ جميع اللافتات المتصدرة واجهات المحلات التجارية ، وكم تغمرنا السعادة إذا ظفرنا بكتاب أو حتى كتيب أو بعض صفحات من كتاب نقرأ ما فيه بلهفة ، بل فلنقل بنَهَم إن صح التعبير ، ثم نجتمع ونأخذ بأطراف الحديث ونتذاكر ما قرأناه .
وكانت المكتبات بالنسبة لنا أجمل مكان يزين شوارعنا ، فتجدنا نعرف اسم كل مكتبة في مكة المكرمة وأين تقع وما يباع فيها من كتب ، ثم كبرنا وكَبُر معنا شغف القراءة والتصفح ، وانتقلنا من قراءة الكتب الصغيرة إلى المجلدات ذوات الأجزاء ونفس الشغف لم ينقص بل ازداد، ونحن نقف بكل احترام ونرفع قبعاتنا لأولئك الذين سهروا الليالي ذوات العدد في تأليف هذه الكتب ، وعصروا أفكارهم ليُعّلِموا الأجيال التي تليهم ولم يكن عندهم من الأضاءة معشار ما لدينا اليوم من الفلورسنت وخلافه ، إنما هي فتائل تُغمس في الزيت فتضيء ما شاء الله لها أن تضيء .
ولقد وقفنا في حيرة من أمرنا عندما نطالع كتاب يتألف من عشرات الأجزاء وبكل ما فيه من دقة وتنظيم وترتيب منقطع النظير ، ثم نجد أن المؤلف لم يعيش من السنين ما لم تتجاوز أصابع اليد الواحدة ، ونتسائل كيف تسنى لهم ذلك ولن تطول بنا الحيرة حتى يأتي الجواب المقنع؛ أنه التوفيق والبركة فقد بارك الله في أعمارهم وأوقاتهم ، وعلم سبحانه وتعالى وهو علام الغيوب ، صدق نواياهم فغمرهم ببركاته في أوقاتهم وأعمارهم ومنحهم سداد الرأي والتوفيق .
ثم ها نحن الآن ما إن نبدأ في قراءة السطور الأولى من كتاب أو ما يكتب في شبكات التواصل حتى نأخذ في التثائب ويغمرنا النعاس ومن ثم نستسلم للنوم ونحن نعلم أن أي أمة لا تقرأ هي أمة ضائعة حتى ولو ادعت غير ذلك إفكاً وبهتاناً وزوراً .
ولأهمية الكتابة والكتاب فقد أقسم الله بالقلم ، وأن أول ما بعث الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حين جاءه جبريل عليه السلام قال له ” اقرأ ” .. خلاصة القول أن الكتب الآن في مكتباتنا يعلوها الغبار وهي تندب حظها وتكاد تنطق بما تحسه وتشعر به من مأساة .
وقد زاد الطين بلة هذه التقنيات الحديثة ” الشبكة العنكبوتية ” ، فقد أخذت ما تبقى من حرص على الكتاب ، ولو أردتم الدليل انظروا كيف يتهافت الناس على مقاطع الفيديو والصور ، وإذا مروا بموضوع قد أجهد كاتبه نفسه فيه مروا عليه لا أقول مرور الكرام بل مرور البخلاء ، وتسمع كلمات التضجر تسري في جنبات المجالس والمنتديات من طول الموضوع حتى لقد أصبحت قاعدة أن الموضوع إذَا كان طويلاً فلن يقرأه أحد .
لقد غمر الأمة الكسل في كل شيء حتى في القراءة والكتابة برغم تباهينا أننا أمة الكتابة والقراءة والعلم.
وفي الختام يجب علينا أن نطلب الصفح من كتبنا لما سببناه لها من مأساة ، فاللهم ردنا إليك رداً جميلاً ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
إبراهيم يحيى أبو ليلى
مقالات سابقة للكاتب