سلام يا صاحبي

وجدت في استوديو الصور في جوالي صورة قديمة تجمعني مع صديق غالٍ على قلبي ، هذه الصورة تجمعني بصديقي إبراهيم منذ كنا ندرس سوياً في جامعة الملك سعود في عام 1416 هـ ، فقمت بإرسالها لقروب العائلة ، وعلقت على الصورة بقولي صورة تجمعني بصديقي إبراهيم الجربوعي ، وهذه الصورة لها مايقارب الثلاثون عاماً. 

فانهالت الردود على الصورة بالدعاء لصديقي إبراهيم بالشفاء العاجل، وكنت لا أعلم عن مرضه شيئاً ، فقلت لهم لعلكم تقصدون أخاه محمد المريض بالسرطان؟!

فقالوا لي: حتى إبراهيم شخصوه بمرض السرطان أيضاً.

فاجأني الخبر جداً وأذهلني ثم استرجعت ودعوت له بالشفاء العاجل.

ثم مالبثت حتى جذبتني الصورة إلى ذكريات الرياض وتجليات الماضي الغابر وبالتحديد ذكرياتنا عندما كنا طلاباً ندرس مرحلة البكالوريوس ونسكن سوياً في السكن الجامعي؛ كنا مجموعة من الأصدقاء المتقاربين في العمر والفكر، حيث انتقلنا من قريتنا الصغيرة والتي تسمى معشوقة في منطقة الباحة إلى العاصمة الرياض؛ يالها من نقلة كبيرة لشباب يافعين قليلي الخبرة بالحياة، تحديات الغربة والحياة في العاصمة الرياض كانت كبيرة جداً ولكننا كنا أهلاً لها.

كنا شباباً يافعين ولكننا في نفس الوقت كان يعتمد علينا ، كنا نغيب عن أهلنا بالأشهر فلا نراهم ولا نعرف أخبارهم حيث لم يكن يوجد حينها وسائل الاتصال الحديثة كالجوال مثلاً، فكنا نعيش الغربة سوياً، وكان بعضنا يساند ويدعم بعضنا الآخر في كل الظروف الصعبة، كنا إذا أردنا الذهاب إلى أهلينا في معشوقة في منطقة الباحة نذهب براً مع سائقي الأجرة في حي البطحاء بالرياض ، ونقطع مسافة تزيد عن الألف كيلو متر ولم يسبق لأي أحد منا أن ذهب بالطائرة؛ لأن تكلفتها المادية صعبة على ميزانيتنا في ذلك الوقت.

كنا نعتمد على مكافأة الجامعة التي تصرف للطلاب حيث كانت المكافأة ما يقارب السبعمائة ريال وكان السكن مجاني وكان الطعام بسعر رمزي، حيث كانت وجبة الإفطار بريال تقريباً ووجبة الغداء والعشاء بثلاثة ريال تقريباً، وكانت الأمور المعيشية ميسرة جداً تراعي إمكاناتنا المادية.

كنا نجتمع في الظهيرة في بهو الجامعة الفسيح، ونتجاذب أطراف الحديث ونضحك من أعماق قلوبنا، لم نكن نفكر في المستقبل كثيراً، كنا نعيش اللحظة ونستمتع بها.

دائما ما تفرقنا المحاضرات، وتجمعنا اللقاءات في البهو أو السكن الجامعي في غرفنا أو في قاعة التلفزيون حيث كنا نشاهد البرامج التلفزيونية سوياً، وكنا نلعب كرة القدم في ملاعب الجامعة وكانت تجذبنا بقوة وكانت الإثارة والتحدي في أوجه، وكنا نذاكر موادنا الدراسية ونحقق النجاحات ونتقدم كل مرة خطوة نحو التخرج وهكذا تخرجنا وافترقنا وكل شخص منا أصبح معلماً أو التحق بقطاع وظيفي غير التعليم، أيام مرت وسنين مضت وحكايات ألف ليلة وليلة، ضحكات صعدت للسماء ودموع عانقت الثرى، لسنا جمادات لا تشعر، كنا نشعر بكل شيء  بكل التفاصيل بل بأدق التفاصيل، كانت الغربة حينها توجع أرواحنا الغضة ونحن لا نعلم، كان لها أثرها الخفي.

وبالنهاية تفرقنا وابتعدنا بعد ما كنا سوياً قلوبنا على بعضنا، كنا على الرغم من كل التحديات والصعوبات والأحزان والآلام كنا نجتمع سوياً حتى نصد تلك الموجة التي تنهش أرواحنا الغضة  وهكذا وبكل بساطه فرقنا القدر، غبنا عن بعضنا، لم نعد على اتصال ببعضنا البعض على الرغم من توفر كل وسائل التواصل، مالذي حدث؟! كيف أصبحنا هكذا من غربة إلى غربة أخرى، لم نعد نعرف طريق بعضنا البعض لم نعد نتقاسم السعادة والحب ؟! لم نعد نتشارك الألم والوجع والحزن، إلى أين نسير ؟! وماهي المحطة الأخيرة التي ستشبع أرواحنا النهمة المستعرة؟!

تبّاً لهذا السخف وهذا البعد وهذا الخواء العاطفي الذي وصلنا إليه.

أين الذكريات الجميلة؟! أين ذهبت وفي أي بئر مجهولة استقرت؟! أين الإخلاص وصدق المحبة والوفاء؟! أين وأين ماذا عساي أن أكتب أو أقول.

لن أنساك من دعائي يا إبراهيم، سأكون ملازماً لك ، عضدك وأخيك المحب الصادق ، أنت علامة فارقة ومهمة في حياتي لن أتنازل عنها بسهوله ، لن أتركك للقدر ينهش روحك الغضة ، سأحيطك بكل الدعوات الصادقة وبكل الأمل في الله.

لا تستسلم يا أعز الناس واصل المسير ، وأكمل الطريق ، عُد كما أنت فللقصة بقية وللحكاية نهاية جميلة يفوز وينتصر فيها البطل.

وفي الختام (سلام يا صاحبي)

 

مقالات سابقة للكاتب

4 تعليق على “سلام يا صاحبي

د. ايمن عبد العزيز

أيُّ مقالٍ هذا الذي تقطر منه مشاعر الصدق والوفاء، وتنثال من بين سطوره دموع الحنين والذكريات؟! كلماتك ليست مجرد حروف تُقرأ، بل هي أنفاس روحك التي تسافر بنا إلى زمنٍ مضى، زمنٍ كانت القلوب فيه أكثر دفئًا، والمشاعر أنقى وأصدق، والأرواح متآلفة متعاضدة.

لقد جسّدتَ في مقالك معنى الصداقة الحقيقية، ذلك الرباط الذي لا تضعفه المسافات، ولا تمحوه السنون، ولا تُغيره ظروف الحياة. وقفتَ أمام تلك الصورة كما يقف الإنسان أمام مرآة الماضي، فاستحضرتَ تفاصيله بكل ما فيه من براءة الطفولة وشغف الشباب وألم الفراق.

إنّ ما كتبته يذكّرنا جميعًا بقيمٍ عظيمة بدأنا نفتقدها في عصرٍ باتت فيه المشاعر تُختزل في رسائل سريعة وجافة عبر الشاشات، وصارت العلاقات تُختزل في “متابعة” و”إعجاب” دون دفء اللقاء وحميمية الجلوس سويًا.

أما صديقك إبراهيم، فليس لك عليه إلا الدعاء، وليس له عليك إلا الوفاء. فالدعاء جندٌ لا يُهزم، والوفاء شجرةٌ لا تذبل أوراقها أبدًا. كن له السند، والكلمة الطيبة، والنور الذي يُضيء عتمة الطريق، فمن كان الله معه فلن يخذله، والله قادرٌ على أن يُعيد له العافية، فهو الرحمن الرحيم.

أما ذلك السؤال المؤلم: “كيف أصبحنا هكذا؟!”، فجوابه أن الدنيا تفرّق ولا تجمع، لكنها لا تستطيع أن تمحو من القلوب صدق الحب، ولا أن تُبدّد حرارة الذكريات. فلا تحزن، فما دام هناك قلب ينبض بالوفاء، فإن للقاء بقية، وللحكاية نهاية أجمل، بإذن الله.

حروفك يا صديقي ليست مجرد كلمات، بل هي رسالة، دعوةٌ للعودة إلى تلك القيم التي صنعت رجالًا لا تنحني عزائمهم، وأصدقاءً لا تهزهم العواصف.

أسأل الله أن يُبارك فيك، ويُديم عليك نعمة المحبة الصادقة، وأن يُلبس صديقك إبراهيم ثوب العافية، ويرزقه الصبر والقوة.

دمتَ نقي القلب، عذب الحرف، كريم الوفاء.

حــــــــــــــــــــــــــــيـــــــــــــــــــــــــــــدوب

نسأل الله إن يشفي صديقك إبراهيم و أخيه محمد شفاء لا يغادر سقما عاجلاٍ إن ربنا قريب مجيب قريب مجيب

روووووح

اصدقاء الزمن الجميل ….
جسدوا لنا معنى الصداقه والأخوه
دامت صداقتكم. وشفا الله صديقك
وسلام ل أصدقاء الزمن الجميل

ابراهيم الغاحدي

صباح الورد صباح الحب صباح الصداقه صباح السعاده
لا تعليق فقد كفيت وأوفيت واتخذت كل العبارات والكلمات الحلوه
نعم الاخ والصديق والحبيب والوفي
كل ما قلته كان شريط ذكريات قمت بتحريكه منذ زمن طويل وسوف يبقى في ذاكرتي ما حييت
شكرا لك ياصاحبي وصديقي واخي وحبيبي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *