صدمة الموت

عندما يبلغني خبر موت قريب ، أو صديق ، أو أحد من عامة الناس ؛ أفقد توازني لفترة من الزمن ، وأشعر باضطراب المشاعر يختلجني.

يخيّم علي الحزن تارة ، وأقلق تارة أخرى ؛ فأنا مؤمن بأن الموت حقيقة سوف أصل إليها في نهاية رحلتي بهذه الحياة ، ولا مفر ولا مهرب منها ، كما قال تعالى :(كل نفس ذائقة الموت).

وكما قال الشاعر:

كل ابن أنثى وإن طالت سلامته

يوما على آلة حدباء محمول

وجاء في الحديث الشريف من حديث سهل بن سعد – رضي الله عنه – (قال : جاء جبريل – عليه السلام – إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال : يا محمد ، عش ما شئت فإنك ميت ، وأحبب من شئت فإنك مفارقه ، واعمل ما شئت فإنك مجزي به ، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل ، وعزه استغناؤه عن الناس) ، فالموت مصير كل حي طال الزمان أو قصر.

ولكن خبر موت أحد من الناس يقربني نحو الموت خطوة للأمام ، وحينها أكون في قمة وعيي بحقيقة الموت ، وأنظر إلى مدى استعدادي للركوب في سفينة الموت ، وأتسائل هل أنا مستعد يوماً ما للإبحار الإجباري إلى هذا العالم الأخروي أم لا ؟؟ ، وأكثر ما يدور في ذهني هو هل ربي راضٍ عني أم لا؟! ، هل حققت وظيفتي في الحياة الدنيا أم لا؟! ، هل كنت عبداً صادقاً مؤمناً مخلصاً عمل الصالحات أم لا؟!

وبدون مقدمات فتحت قلبي لصديقي المقرب مني د. أيمن ، وأوضحت له حقيقة مشاعري عن الموت ، وكعادته التي عهدته بها أرسل لي رسالة جميلة أحب أن أشارككم إياها حيث قال لي:
“حبيبي نوار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أتمنى أن تكون بخير وفي صحة وسلامة ؛ أردت أن أكتب لك هذه الرسالة لكي أطمئنك وأخفف عن قلبك في هذه اللحظات التي قد تشعر فيها بالحيرة أو القلق، خاصة فيما يتعلق بفكرة الموت.

أعلم أن هذه الفكرة قد تثير في النفس مشاعر متنوعة من خوف أو قلق ، ولكنني أريد أن أذكرك بشيء مهم ، وهو أن الموت هو قدر من أقدار الله تعالى ، وهو جزء من دورة الحياة التي كتبها الله لنا جميعًا ، ليس الموت نهاية ، بل هو انتقال من مرحلة إلى مرحلة أخرى ، وأمر لا مفر منه للجميع ، ولا يمكننا الهروب منه ، لكننا قادرون على أن نعيش حياتنا بأفضل طريقة ممكنة وأن نواجه كل تحدٍ بثقة وطمأنينة.

لن يكون الموت يومًا عقبة أو مصدرًا للخوف ، بل هو حدث طبيعي ، جزء من مشيئة الله ، علينا أن نؤمن بأن ما كتبه الله لنا هو الأفضل ، وما يحدث في حياتنا هو جزء من خطة عظمى قد لا نتمكن من فهمها بالكامل ، عندما نعلم أن الموت جزء من هذه الخطة ، فإننا نتوقف عن الخوف منه ونبدأ في التركيز على كيف نعيش حياتنا بحب وعطاء وإيمان ، قد لا نعلم متى سيكون وقتنا ، ولكن الأهم هو أن نعيش في سلام مع أنفسنا ومع من حولنا.

لا تتردد في أن تعيش اللحظة التي أنت فيها ، أن تعيش بسلام مع قلبك وعقلك ، ليس من المهم كم من الوقت سيستغرق الإنسان في هذه الدنيا ، بل ما يهم هو كيف يعيش فيها ، وما يقدمه للآخرين ، وكيف يترك أثرًا طيبًا في الحياة ، تذكر دائمًا أن الحياة ليست في سنوات العمر بل في ما تحققه في تلك السنوات.

لذا لا تخف من الموت ، بل تعلم كيف تحيا بروح طيبة ، وحياة مليئة بالعطاء ، فالموت ليس نهاية ، بل بداية لمرحلة جديدة قد نراها بعيوننا عندما يكتمل الأمر ، فالحياة بكل ما فيها من تحديات ومفاجآت ، تستحق أن نعيشها بكل أمل.

أنت شخص عزيز عليّ ، وأتمنى لك دومًا الراحة والسكينة في قلبك. أرجو أن تجد في هذه الكلمات عزاءً، وأتمنى أن تملأ الأيام القادمة بالسلام والاطمئنان.

دمت بخير وعافية ، وتذكر أن الحياة قصيرة ولكنها مليئة بالفرص والإمكانات ، فدعنا نعيشها بكل ما فيها من لحظات ثمينة”.

محبك
د. أيمن

يالها من كلمات جميلة ساقها لي صديقي الدكتور أيمن تحمل أفكار نيِّرة عن الموت ، طمئن بها قلبي وواساني بها وأعاد لي توازني.

ختاماً عزيزي القارئ هل تقلقك فكرة الموت؟! ، هل حدثت نفسك عن مدى استعدادك للانتقال للعالم الأخروي أم لا؟

✍️ نوار بن دهري
‏NawarDehri@gmail.com

مقالات سابقة للكاتب

2 تعليق على “صدمة الموت

د. ايمن عبد العزيز

لقد قرأت كلماتك بعين المتأمل، واستشعرت نبض قلبك في كل حرف خطه قلمك. وإني لأحمد الله الذي جعل لنا في الصداقة قلوبًا تتلاقى، وعقولًا تتآلف، وأرواحًا تتعاضد في لحظات التأمل والتساؤل عن أعظم حقائق الوجود.

يا نوار، إن الموت كما قلتَ هو الحقيقة الكبرى التي لا مفر منها، وهو الجسر الذي نعبره من دار الفناء إلى دار البقاء، وإنها لحكمة بالغة من الله أن يجعل هذا الانتقال محفوفًا بالغيب، حتى تبقى القلوب متعلقة به، متأهبة للقائه، متزينة بلباس التقوى.

ولكن يا صديقي، ليس القلق من الموت هو ما ينبغي أن يثقل القلب، وإنما الذي يستحق أن يُشغل به العقل هو: كيف نحيا حياةً تجعل لقاءنا بالله لقاء المحب بمحبوبه؟ كيف نُعدّ الزاد ليكون ثقل ميزاننا رجحانًا بالحسنات؟ كيف نسير في الأرض بالخير فنكون ممن قال الله عنهم: “وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلْأَنْهَٰرُ” (البقرة: 25)؟

إني لأرى في كلماتك روحًا طاهرة، قلبًا يقظًا، ونفسًا تتطلع إلى الرضا الإلهي، وما ذاك إلا فضلٌ من الله، إذ جعل فيك هذا الشعور الذي هو من علامات القلب السليم. فابتهج يا نوار، فالمؤمن الذي يتفكر في مآله ويتأمل في مصيره قد بدأ أولى خطوات النجاة، وها نحن نسير في هذه الحياة حاملين في صدورنا يقينًا بأن الله أرحم بنا من أنفسنا، وأن حسن الظن به هو مفتاح الطمأنينة، وكنز السكينة.

فلنمضِ معًا في درب الحياة، عاملين، ساعين، راجين، متوكلين، ولنجعل ذكر الموت باعثًا للعمل، لا مدعاة للوجل، فالموت ليس الفناء، بل هو الولادة الحقيقية لحياة خالدة حيث الجزاء واللقاء، حيث الرحمة والرضا، وحيث النعيم المقيم لمن أخلص وأحسن.

حفظك الله ورعاك، وملأ قلبك سكينة وطمأنينة، وجعلنا وإياك من المقبولين الفائزين برضاه، إنه جواد كريم.

عبد الرحيم علي السوداني

بوركت أخي نوار وبورك دكتور أيمن فمنكما ومن أمثالكما نتعلم.
نسأل الله تعالى أن يجمعنا وإياكم في الفردوس الأعلى من الجنة.

نعم كلنا يتهيب الموت الذي هو سبيل الأولين والآخرين، ولكننا نحسن الظن برب رحيم يجزل العطاء الكثير مقابل العمل القليل.
قال تعالى: ( ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرا عليما)
قال قتادة: إن الله تعالى لا يعذب شاكرا ولا مؤمنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *