في لحظةٍ لا تُنسى، لحظة فقد لشي كبير،، يمرّ الإنسان بتجربةٍ تُبدّل وتغير ملامح قلبه إلى الأبد.. لحظةُ فقدِ الأم، تلك التي كانت الحنان، والدعاء، والظلّ الآمن في وجه الدنيا. لا شيء يُشبه هذا الوجع، ولا دواء له سوى الصبر والإيمان بأن كلّ نفسٍ ذائقة الموت، هي الوداع الأصعب، الذي لا يُسمع له صوت،، فالأم ليست مجرّد شخصٍ نُحبّه، بل هي وريد القلب وامانه، فإذا غابت، غابت الطمأنينة معها.
حين ترحل الأم، يختلف الشعور وكأن الشخص فقد جزءاً من نفسه، كأنّ الأرض أصبحت أوسع فراغاً، والبيوت أهدأ حداداً،، كل شي اختلف اصبح له هدوء،،
يبدأ العقل في أداء دوره.. يُلين الحزن، ويُذكّرنا أن الدنيا دار فناء، لا بقاء فيها لأحد. كل ما فيها إلى زوال،
فرغم عمق الحزن،
…نتوقف لحظة ادراك…
نعيد تشكيل نظرتنا للحياة…
بأن اسماؤنا في قائمة الجنائز
مكتوبه بالوقت واليوم والكيفية
فقط بضعة لحظات أو أيام أو سنوات وسيُصلى علينا
وندفن تحت التراب،
وما نحن الاجنائز مؤجلة !
فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور.
وأن كلّ ما نملكه زائل، وكلّ من نُحبّه راحل، وأننا جميعًا سنُنسى يومًا ما، مهما كان حضورنا كبيرًا.
فقد الأم ليس استسلامًا للحزن، بل هو تسليمٌ لقدر الله والصبر لحكمه،، وثقه بأن رحمته أوسع من كل وجع.
بلطفه جعل في الصبر سلوى، وفي الإيمان راحة، وفي الدعاء لقاءً مؤجّلًا لا ينقطع.
الصبر لا يعني النسيان، بل هو إيمانٌ بأن وراء الغياب رحمةً، وأن ما كتبه الله هو الخير، فالصبر على الفقد هو قوةٌ في الرضا، ووعيٌ بأن الله أرحم بنا من أنفسنا،،
وأن الأم التي غابت عن أعيننا، لم تغب عن ذاكرتنا وقلوبنا ،، ولم تغب عن رحمة ربها.
ومع مرور الأيام..
يتبدل الألم شيئًا فشيئًا، لا لأننا نسينا، بل لأن الله يُعين القلب على القبول. تذوب الدموع في سجدة الدعاء، ويتحوّل الفقد إلى حنينٍ هادئ يذكّرنا بأن اللقاء في الآخرة هو أصدق وعد.
وأن موت الأم بداية براً لها يكون أصدق وأبقى فالصدقة والدعاء، هما الباقيان لها،،
وما بين الأرض والسماء تبقى دعواتنا تصلها كل حين،،
اللهم اجعلها من سكان الفردوس الأعلى، واجعل قبرها روضةً من رياض الجنة.
رحمكِ الله يا أمي، وجمعني بكِ في دارٍ لا فراق بعدها.
…في النهاية، نتعلّم …
أن الدنيا قصيرة،،وأن الرحيل قادم لا محالة، وأن ما يبقى حقًا ليس الأسماء ولا الوجوه، بل الأثر الطيب، والذكر الحسن، والدعوات التي ترفعها القلوب في الغيب.
فالعاقل من عرف حقيقتها قبل أن يتركها، فكلنا راحلون،،
اللهم حسن الخاتمة
⸻⸻⸻
مقالات سابقة للكاتب