قبل سنوات معدودة بعمر الصبي لم يكن الأمر كما هو عليه الآن من التقدم المهول في جميع المجالات عامة وفي مجال الاتصال خاصة .. كلنا نذكر عندما بدأت أجهزة الهواتف النقالة في التداول بين الأيادي .. كانت تتوارد إلى الأسماع كيف أن الناس سيحملون هواتفهم في جيوبهم وكيف سيسهل الاتصال ، وعندما وصلت إلينا اقتناها البعض بباهض الأثمان ، فلم يكن يمتلكها إلا من أوتي سعة من المال.
كان في الحي واحد أو اثنان ممن امتلكها عندما وصلت إلى بلدتنا ، ومن أراد مهاتفة عزيز أو صديق أو ضرورة ما ذهب لطرق باب فلان أو استنجد بفلان .
أجهزة بدائية ؛ اتصال وإرسال رسائل نصية فقط في مجال محدود .. بدأ الأمر بالتوسع قليلاً فامتلكها عدد لا بأس به من الرجال .. اتسع المجال قليلاً فسُر بعض النساء بامتلاكها .. وصعق البعض !! ، ( زوجة فلان أو ابنة فلان لديها هاتف محمول !! ) كانت إحدى مفاجئات هذا التقدم التكنولوجي .
أعدادًا قليلة لديها هواتف .. مرت سنوات معدودة امتلكها عدداً أكبر من الناس أغلبهم رجال ، فلم تكن النساء تفكر في امتلاكه كثيراً.
تمضي السنوات وتقع الكارثة في هذا المجال .. يوجد هاتف نقال يحتوي على كاميرا ! .. نعم كاميرا للتصوير .. سُمع الخبر .. لقد جُلب لدولة خليجية وامتلكه الناس هناك .. ياللهول يجب ألا يدخل البلاد!! .. الكل قال بصوت واحد لا لجهاز يحتوي على آلة تصوير! ، سيهدم البناء وتكون مفاسد ومشاكل .
لكن بعد فترة ليست بالطويلة جلبه البعض بطريقة أو بأخرى لكنه دخل البلاد وهان الأمر قليلاً وفتح المجال ودخل الجهاز وانتشر .. امتلكه الرجال والنساء .. وكانت الكارثة خاصة في وسط النساء إذا كان هناك احتفالاً ما فلابد من إحضار من يقوم بالمنع الشديد كي لا يدخل ردهات الفرح أو المناسبة السعيدة ، وإن حدث وأُدخل قد يقلب الفرح إلى عاصفة من الصراخ والعويل والنقاش الحاد بين ربات الحفل وزائراته المتعمدات أو الساهيات لاكتشاف الأمر.
سهل الأمر قليلاً؛ فبعد أن كانت المرأة لابد لها من جهازين أحدهما بدون تلك الكاميرا لتحضر به المناسبة ، وآخر للمهمات الصعبة لابد من احتوائه على تلك الكاميرا .. لم يعد الأمر كذلك فلا مانع من دخولها بالجهاز في أغلب المناسبات أو تركته في عهدة المسؤولة التي تحتفظ بأجهزة مماثلة ، والأكثر منها عبرت من بين يديها وأمست من ضمن الحضور.
سهل الأمر وسهل فأصبح الأطفال يتجولون والأجهزة بين أيديهم ، والرضا التام على محيا الآباء والأمهات .. قد تكون الضرورة بالنسبة للبعض والمحاكاة للبعض الآخر ، لكن وقع مالم يتخيله البعض في يوم من الأيام.
المهم الأمر الآن بات أسهل مما كان ، الكل يمتلك هذا الجهاز والويل ثم الويل لمن تخلف عن الركب ولم يرد هذا الجهاز لسبب أو لآخر ، فقد ينعت بالمسكين أو المتخلف أو البخيل إلى غير ذلك من نعوت السخرية.
الآن المجال اتسع فها هي الهواتف الذكية وهاهو العالم يصبح أكثر اتساعاً ، فهو بين أيدينا لا يقف بيننا وبين ما نريد إلا ضغطة زر أو لمسة خفيفة نسبر بها أعماق المجهول ، فنجد مانريد و نصل للمبتغى ويستمر البحث فكل يوم جديد وكل لحظة مطلب ، ويتواصل اللهث وراء الارتشاف من معين لا ينضب ومورد لا يغور .
إلى الآن والأمر سهل .. نريد معلومة أو اتساعاً لثقافتنا بين أيدينا الأزرار وملامسة الشاشات وتحميل البرامج ، منها ما يتناسب معنا والآخر ليس في استخدامه جدوى .. لا مشكلة فالجهاز في يد العاقل سلاح ومعول بناء وهو بلا شك ثروة علمية.
نصل إلى الأمر الذي يجب أن نقف عنده كثيراً متى تكون هذه الأجهزة ثورة إعلامية ، فالكل يعلم أنها تحوي الغث والسمين والخير والشر ، فاليد التي تمسكها هي الحكم .. بالتأكيد ستكون ثورة على أبنائنا إذا تركنا المجال في سعة أكثر مما يجب وتركنا كما يقال الحبل على الغارب ..
لا أقول امنعوا الأبناء والمراهقين منها أو صادروها واحرموهم منها .. لا .. بلاشك علينا جميعا تربية الرقابة الذاتية في نفوسهم بجرعة من أخلاق ديننا الحنيف؛ تحصن أبناءنا فلا بد من تعاهدهم بها تماماً كتلك الحقن التي تعطى للأطفال في مراحل العمر المبكر تجنباً لأمراض مستعصية يصعب علاجها .
إذاً لابد من ميزان تام بين الإفراط والتفريط والمعقول وألا معقول .. ليكون جيلاً بنّاءًا في مجتمعنا ليس جيلاً لاهثاً وراء ثورة قد نلم بشيء منها ولا نعلم ما تخبئ لأبنائنا وأجيالنا القادمة .
لذا علينا الموازنة والانتباه وإدراك الفرق الواضح بين كلمتين متشابهتين جداً .. هما ثروة وثورة ، فمن يسمع هاتين الكلمتين لا يرى فرقاً كبيراً مجرد اختلاف في مواقع الحروف ولكن ذلك في جرس الكلمتين لكن البون شاسع في المعنى لا يخفى على ذي لب.
<< حجازية >>