من الملاحظ جلياً أن هذا العصر قد حدثت فيه تغيرات كثيرة ومتسارعة ، فمن الناس من دخل إلى هذا التغير بروية وحصافة وتؤدة؛ فـ يتوقف عند كل حدث ويمعن النظر والفكر الحصيف ويتلمس موضع قدميه قبل أن يمضي قدماً ، بل ويحاول أن يضع نصب عينيه المبادئ التي تربى عليها وهي حتماً نابعة من التربية الدينية ، ويتساءل في يقين .. هل هذا العمل الذي سأتناوله وأوغل فيه يعارض ديني وقرآني أم لا ؟ .. وهذا الشخص كثيراً ما يُكتب له التوفيق فيما يَقدم عليه ، وهو مع ذلك يكون مشاركاً فاعلاً في هذا التغيير إيجاباً ..
والبعض الآخر يدخل في الأمر بكل ما عنده من قوة بل حتى إذا تعارض عمله مع الدين يحاول أن يتلمس المبرارات لكي لا ينثني عن تلك السبيل ، وتسول له نفسه المحبة للشهوات؛ والنفس إن لم تفطم عن الشهوات أوردت صاحبها موارد الهلكة ، فـ ترى مثل هذا الشخص يجادل عن باطله بقوة وأنه يجب علينا مجاراة رياح التغيير أيا كانت وكيف كانت بدون نقاش ، ويزعم أن ليس هناك حدود أو خطوط حمراء..
ويدعي أن التريث وعدم الايغال إنما هي عادات بالية لا تصمد أمام رياح التغيير العاتية ، وهذا من الضعف فـ تنجر النفس إلى مالا يحمد عقباه ، وهو مع ذلك يقف موقف المتلقي سلباً فقط دون أن يكون عضواً فاعلاً في هذا التغير ، ولا يستطيع أن يؤثر تأثيراً إيجابياً في التغيير الذي يريد من الناس أن يقتحموه بدون تحفظ أو حتى التفكير …
ونحن هنا لا نحاول أن نتأخر عن الأمم ولكن يجب أن نؤثر في غيرنا كما يؤثر غيرنا فينا ، أي بمعنى – أننا لا يجب أن نكون في موقف المتلقين فقط دون أن يتلقى غيرنا منا ، وحياة الدعة والسكون والخمول وانتظار الغير ليخدمنا فقط – ، هذا أمر غاية في البلادة وكثيراً ما تسمع أننا نحن أول من فعل كذا وكذا ، وأن آبائنا كانوا السباقين لفعل هذا الأمر أو ذاك وهذا جميل ولكن ما الذي قدمناه نحن للأجيال التي تلينا …
فـ مثلاً نحن بما عندنا من لغة لا تضاهيها أية لغة لم نستطع أن نترجم كثيراً من المصطلحات الطبية أو الصناعية وما إلى ذلك .. لماذا ؟! .. لأننا استسلمنا لدعاة التثبيط والمغرضين الذين زعموا أن لغتنا عقيمة وقاصرة عن ترجمة بعض هذه المصطلحات ، ولكن في الحقيقة هناك أحصائيات جعلتني أقف في دهشة أمام هذه اللغة التي ادعى الخاملون أنها لا تستطيع أن تجاري رياح التغيير لدرجة أن بعض المنهزمين يدعونا لتركها إطلاقاً …
والاحصائية تقول أن اللغة العربية فيها من الكلمات 12302912 كلمة ، بينما اللغة الانجليزية فيها 600000 كلمة فقط ، واللغة الفرنسية فيها 150000 كلمة ، واللغة الروسية فيها 130000 كلمة ، فانظروا إلى الفرق الشاسع بين عدد المفردات لهذه اللغات بجانب اللغة العربية .. فهل بعد ذلك ياتي أحد ويتهم اللغة العربية بأنها قاصرة ؟! .. الأولى أن نتهم أنفسنا ونكون من الشجاعة بمكان أن نعترف بأننا نحن الخاملون والمقصرون وليست اللغة .. فـ الأمم تتقدم بما عندها من إرث حضاري تستعمله في تغيير حياتها للأفضل والتاثير على من حولها…
يجب علينا أن لا نستسلم فقط للمقولة التي يتداولها البعض ، أن المنتصر هو من يكتب التاريخ وهذا حق ، ولكن هل نرضى ونقنع أنفسنا أننا لسنا المنتصرين لذا نستسلم حتى يأتينا النصر ، ومن ثم نحاول كتابة التاريخ أننا أمة لديها من الثروات البشرية والمادية ما تجعل العالم يتكالب علينا قبل أن نستيقظ ، بل أنهم حريصون على أن نبقى في سبات عميق ونومة كـ نومة أهل الكهف ونحن راضون بهذا، علينا أن نقتحم هذه الحياة ونؤثر في كل من حولنا وما حولنا ..
هنا سنرى العالم يقف لنا احتراماً كما وقف لآبائنا من قبل ، وبدون ذلك لا ننتظر من أحد أن يساعدنا .. علينا أن نساعد أنفسنا ونساعد اﻵخرين ولا نكتفي بالكلام والعبارات البراقة ، ويبقى شبابنا ينبهر بما يقدمه له الآخرون دون أن يقدم هو شيئا.
إبراهيم يحيى أبو ليلى
مقالات سابقة للكاتب