الشائعة هي نقل خبر مكذوب أو فيه جزء من الصحة ويضاف إليه ماليس فيه ، وقد تكون الشائعة عبارة عن تهويل الأحداث وتضخيم الواقع واختلاق اﻷخبار ونقلها بين الناس ، ونشرها بين أوساط المجتمع؛ بقصد نشر الفوضى وإثارة اﻷحقاد وتفريق الصف ، أو اﻻنتقام من شخص أو فئة أو جماعة ، وقد يكون نشرها لتحطيم الروح المعنوية وبث الرعب وزرع الخوف في النفوس ، فـ الشائعات ﻻ تنتشر في بيت إلا دمرته ، و ﻻ في مجتمع إﻻ أضعفته ، و ﻻ في أمة من اﻷمم إﻻ مزقتها وفرقت أبناءها وقضت على مقدراتها ، بسببها دمرت الحياة الزوجية ، وبسببها حلت البغضاء والشحناء و العداوات بين الناس ، وبسببها سفكت الدماء وانتهكت اﻷعراض وقامت الحروب وهزمت الجيوش وتوقف اﻹنتاج وشاع الظلم وذهب اﻷمن وتفككت روابط المجتمع ، وضعفت الثقة بين أفراده .
الشائعة تنتشر بين الناس بسرعة مذهلة ويتناقلونها دون تفكير أو روية ، خطرها كبير وآثارها مدمرة ، لذلك وقف اﻹسلام منها موقفاً قوياً وحاسماً فحذر منها وبين آثارها وأمر بحفظ اللسان ، ونهى المسلم عن الكذب وقول الزور والقيل والقال ، وأمر بالتثبت من اﻷقوال واﻷخبار وعدم التسرع .. قال تعالى ( ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على مافعلتم نادمين ) ، وقال تعلى (و ﻻ تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا ) .
الشائعة في المجتمع المسلم تعتبر سلاح المرجعين وسلوك المنافقين ، فهي حرب قديمة لم يسلم منها حتى اﻷنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، فـ ها هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم تعرض لحرب الشائعات في دينه وشخصه وعرضه .. أشاعوا عنه بأنه شاعر و كاهن و ساحر و مجنون ، وفي المدينة تزعم المنافقون بث الشائعات لتفريق الصف المسلم ، فـ في معركة أحد عندما أشيع بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قُتل ، ضعفت الروح المعنوية للمسلمين حتى أن بعضهم ترك القتال ، بل فعلوا أكثر من ذلك وأشاعوا حادثة اﻹفك والطعن في عرض عائشة رضي الله عنها زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم وأم المؤمنين ، حتى تكفل الله سبحانه وتعالى ببراءتها في آيات تتلى إلى يوم القيامة ، وهكذا في كل زمان ومكان تجد أن الشائعات و اختلاق اﻷكاذيب ونقل اﻷخبار غير الصحيحة ، و تصوير اﻷمر على غير حقيقته سلوك يتصف أصحابه بالضعف وخبث النفس وقلة الحياء وانعدام المروءة وخساسة الهمة ولؤم الطباعة ، قال تعالى ( لئن لم ينته المنافقون و الذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم ﻻ يجاورونك فيها إﻻ قليلا * ملعونين أين ما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا ) .
ولقد كانت الشائعات قديماً تنتشر بسرعة وتصل إلى كثير من الناس وتأتي بمفعولها ، فإنها اليوم تنتشر بسرعة فائقة جداً جداً ويكون انتشارها على مدى واسع وفي وقت قياسي عبر وسائل التواصل السريع؛ فـ كم من أخبار كاذبة و اتهامات باطلة ومعلومات خاطئة و شائعات مغرضة تُنشر في هذه الوسائل ضد أفراد وشعوب ودول ، ومع ذلك تجد الكثير ﻻيتثبت وﻻ يتحرى الصدق بل يشارك في نشرها و ﻻيدرك أن ناقل الكذب والمروج له هو أحد الكذابين ، ﻷنه معين على الشر و العدوان ناشراً للإثم والظلم .. قال صلى الله عليه وسلم ( بئس مطية الرجل زعموا ) .
فينبغي أن ندرك خطورة الشائعات ونقل الكلام من دون تثبت في تدمير العلاقات وتأجيج الخلافات و افتعال اﻷزمات ، بل يتعدى خطرها إلى حياة المجتمعات والشعوب و أمن اﻷوطان .. فـ لنكن حذرين .. فلا نتحدث بكل ما سمعنا و ﻻ ننشر كل ما يصل إلينا عبر وسائل الاتصال .
اللهم طهر ألسنتنا من الكذب واجعلنا من الصديقين اﻷبرار … دمتم بخير وعافية .
حامد هاشم الصبحي
إمام وخطيب جامع عثمان بن عفان بالدف
مقالات سابقة للكاتب