سألني أحد الكتاب الذين يكتبون في بعض الصحف ، وقال “لماذا يعادي الناس من يكتب ويحاول بكل جهده تقويم بعض الاعوجاج ومعالجة السلبيات التي يراها كل يوم من بعض فئات المجتمع ؟! ، وكان يتكلم بحرقة وهو في غاية الامتعاض حتى أنه قال لي “لقد فكرت مراراً أن أترك هذه المهنة الشاقة والتي ربما تجلب لصاحبها العداوة والبغضاء؛ بل والأذى من بعض هذه الفئات الذين يأبون إلا التمادي في الباطل ورفض الحق والانصياع إلى صوت العدل ، وأنني أرى نفسي بمثابة من ينحت في الصخر ويزرع في أرض صبخة لا تنبت زرعاً ولا تدر ضرعاً ..
فقلت له “هون عليك” ، إنها طبيعة الكون وطبيعة الكون التضاد ، فلابد أن يكون هناك خير وشر كما أن هناك نور وظلمة ، ليل ونهار ، وقس على ذلك كل ما تراه في هذا الكون وما لا تراه ، ولولا هذا التضاد والإختلاف لما خلق الكون أصلاً ، وقوام الكون واستمرارة بهذا الاختلاف ، ولو تاملت منذ فجر التاريخ بل منذ أن خلق الله أبانا آدم عليه السلام وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها سيظل هذا الصراع قائماً ، فمنذ أن حسد إبليس آدم عليه السلام وادعائه أن له الأفضلية عليه وأبى السجود بحجة أنه خلق من نار وآدم خلق من طين ، وادعى أن النار أرقى وأعلى منزلة من الطين وسولت له نفسه على أثر ذلك أنه الأفضل .. مجرد ادعاء ولم يقدم أي برهان أو دليل منطقي على إدعائة ، إنما هو الكبر والحسد اللذان جعلا منه عدواً ومناوئاً بغير وجه حق..
نعم وتوالت هذه الادعائات من قبل جنود إبليس وأعوانه من الجن والانس من جهة الباطل ، والأنبياء والمصلحون من جهة الحق ، ولقد انتقل هذا الصراع مع هبوط آدم إلى الأرض وطرد إبليس من جنة الخلد ، وتجسد هذا الصراع في قتل قابيل أخاه هابيل حسداً وبإيعاز من إبليس الذي أقسم لـ يضلن بني آدم وطلب من ربه أن يمهله إلى يوم يبعثون ، ومنذ ذلك الحين إلا أن يشاء الله سوف يظل المصلحون في تعب ونصب وجهاد لإصلاح الطرف الآخر الذي يمثله إبليس وجنوده ومن لف لفهم وانخرط في سلك المناوئين للحق …
إذاً يجب على كل من أراد الاصلاح أن يتوقع كل المضايقات وكل أنواع الأذى ، ولكي تطمئن القلوب علينا أن نتأمل ونراجع التاريخ ممثلاً في كتاب الله لـ نرى كيف عانى الرسل والأنبياء والمصلحون وفي كل حقب التاريخ ومسيرة الانسان .. نجد أمثلة على تضحية أهل الخير والصلاح حتى بأرواحهم ، وكم قتل من الأنبياء على أيدي الأمم العاصية التي تأبى إلا السير في طرق الغي والشهوات ….
ويجب على كل مصلح ومربي أن لا ينتظر نتيجة عمله على المدى القريب وليضع نصب عينيه أنه ربما في قابل الأيام سوف يعلم الناس ويعملوا بما كان يدعوهم إليه ، وهناك أمثلة كثيرة .. فقد لبث نبي الله نوح عليه السلام في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً ومع ذلك قال الله تعالى ( فما آمن معه الا قليل ) ، وكم استهزءوا به وسخروا منه وأغروا السفهاء والصبيان بمعاداته وإيذائه ، ورسول الله محمد صلى الله عليه وسلم كم أوذي في الله وصبر وهاهي دعوته تبلغ الآفاق ، لأن في النهاية لابد أن ينتصر الحق وهذا وعد الله .. والله لا يخلف ماوعد سبحانه..
إنها سنة الله في الكون ولا تبديل لسنته ولا راد لقضائه ، إذاً على كل مصلح ومربي أن لا يثنيه إعراض الناس عنه، بل يمضي ثابت الخطى وليضع نصب عينيه وليتيقن أن العقول والانفس خلقت متفاوته ومتباينة وليس كل ما تقوله يفهمه الجميع اليوم .. وربما سيفهمه غداً من لم يفهمه اليوم…
والاستعانة بالله والمضي قدماً دون الالتفات للمثبطين والمنهزمين أمام الشهوات وزخارف الدنيا وطول الأمل وما أكثرهم ، هو ما يكفل النجاح أخيراً والنية الصادقة تخدم صاحبها كما يقال ..
فاللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعة وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، وبصرنا بعيوبنا ، واغفر ذلاتنا وتقصيرنا ياالله ، وامنحنا الصبر على البلاء واخلص نياتنا ياكريم .. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
إبراهيم يحيى أبو ليلى
مقالات سابقة للكاتب