القمر وليالي السمر

احتل القمر مكانة ورمزية وقدسية عالية لدى العرب القدماء ، وحيكت حوله الأساطير والخرافات ، ونسجت حوله القصص وهو الخامس في المجموعة الشمسية ، وقد ارتبط القمر في العقلية الجاهلية ببعض ما ترسب في أذهانهم من معتقـدات دينيـة وميثولوجية ، أفرزتها الأفكار البدائية حول الكون والحياة والموت والكائنات ، والذي انعكس فـي أشعارهم ،  وبخاصة ارتباط القمر بالملك ومن مظاهر عبادة العرب للقمر ما قاله الله تعالى ( لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن ) ، وقال في موضع آخر ( فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي ) ، وذكر ابن كثير في تفسيره ( وأنّه  هو  رَبُّ  الشِّعْرَى  ” هُو كَوْكَب خَلْف الْجَوْزَاء كانت تُعْبَد في الْجَاهِلِيَّة “) ، وقد ورد ذكره في القرآن في ثمان وعشرين آيه وأما في الشعر قول الأعشى : ” حكمتموه فقضى بينكم .. أبلج مثل القمر الباهر‏” ، وقوله : ” فلما أتانا بعيد الكرى سجدنا له ورفعنا عمارا ” .. 
لعل البيت السابق جاء تأكيداً على انتشار عبادة الملك المرتبط بالقمر عند الجاهليين ، الأمر الذي يجعل من القمر إلاهاً بارزاً ، وأما حب العرب للقمر والقمراء فقد قالوا : ما أجمل ليالي القمر وأحاديث السمر فوق الرمال العفر ، فالعرب تحب القمر والروم تحب الشمس ..

قال الحطيئة : نمشي على ضوء أحساب أضأن لنا … كما أضاءت نجوم الليل للساري 
فالليلة القمراء ـ كما هو واضح ـ تعتبر الرفيق الحاني للمسافر ليلا، بما تحمله من معاني الإضاءة والإنارة في الليل المظلم، فتكتسب بذلك أبعاداً دلالية تعبر عن موقف الشاعر ، وقد يتخذ اللصوص والسباع ليالي القمر وقاية لحاجاتهم فالقمر ملهم الشعراء ونديم العشاق رمز الصفاء والجمال ، ولقد ذكروه أكثر من محبوبيهم – وقال بعضهم عن السفر في الليالي المقمرة: “سافروا في هذه الليالي، فإنَّ  أُنس القمر يُذهب وحشة السفر – ، وقال أعرابي: ما فقدت القمر إلا فقدت أخاً أنيساً.

قال المتنبي : واستقبلت قمر السماء بوجهها … فأرتني القمرين في وقت معا ، وقال عمْر بن ربيعة : “قالت الكبرى : أتعرفن الفتى؟ .. قالت الوسطى: نعم هذا عمر .. قالت الصغرى وقد يتمتها ، قدعرفناه وهل يخفى القمر ؟! ” .

 

هداي نفاع الفهيدي

مقالات سابقة للكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *