لما نزل الجيش الإسلامي القادسية بقيادة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ومعه خير أجناد الأرض في ذلك الحين بعدما حشدهم أمير المؤمنين عمر الفاروق رضي الله عنه لغزو بلاد فارس ، وما هي فارس في ذلك الحين فتعجب الفرس من جرأة المسلمين ! وكيف تم هذا الأمر؟ وفارس كانت تسمى فارس الأسد تتشبه لقوتها وعدتها وعتادها بالأسد وتساءلت ما الذي حدث في الدنيا ؟ حتى يغزوهم المسلمون الذين لم تكن فارس أو الروم على حد سواء لم تكن تعرهم أي اهتمام أو تضرب لهم أدنى حساب ، ولفهم الأمر طلب يزدجرد ملك الفرس من سعد أن يرسل له رسولا يخبره عما جاءوا يطلبون ، فارسل إليهم سعد أربعة عشر رجلا من أصحابه ولنقل أربعة عشر أسدا هزبرا هصورا ، وجرى الحوار العجيب بين يزدجرد بغروره وصلفه وكبريائه وبين أولئك النفر المؤمنين فلما وقفوا أمامه أمر المترجم أن يترجم ما يدور من حوار وكان حوارا اثبتته كتب التاريخ والسير ومن أراد الرجوع الى ذلك الحوار الذي أعز الله به المسلمين وأذل به الفرس فهناك مراجع ومن اشهرها كتاب .. تاريخ الأمم والملوك لشيخ المؤرخين محمد بن جرير الطبري وكذلك البداية والنهاية لأبن كثير وغيرها من أمهات كتب التاريخ ، والشاهد في هذا الكلام الذي نسرده أن العزة بالإسلام والإيمان العميق الذي يزلزل الجبال الراسيات والا كيف وقف أولئك النفر أمام أعتى قوة في ذلك الزمان بكل شجاعة واقتدار ولقد هز حديثهم وحوارهم وجرأتهم أركان فارس قبل أن تبدأ المعركة ..
ونحن نسوق هذا الحديث ليعلم الشباب كم كانت أمتهم عزيزة وشامخة بعزة ربها وشموخ دينها ونبيها وصحابته وليعلموا أن أمتهم لم تكن في يوم من الأيام أمة خور وجبن وبلادة وكسل بل سطرت أروع الملاحم في تاريخ البشرية جمعاء ويكفي أنها كسرت كسرى وقصرت قيصر وليعلم كذلك أن هذا الضعف الذي يعتري الأمة في وقتها الراهن ما هو الا بسبب بعدها عن ربها وانغماسها في الشهوات والملذات واسرافها في أمرها وإثار الدعة والركون الى الفرش الوثيرة عن القيام والنهوض والمجالدة بالحق وفي الحق وأن أي أمة لا يمكن أن تنهض الا بوسائل وأسباب أولها الايمان واليقين بربها ونبيها وبعد ذلك بالعلم بشتى صوره ومجالاته أمة لها تاريخ وإرث حضاري مكين كيف لها أن تتفكك وتتشرذم حتى طمع فيها الأعداء المتربصون وفرح المتشفون والشامتون ولكن كما يقال لكل جواد كبوة والأمة لا يمكن أن تستقيم ناهضة وتنفض عنها غبار السقوط بعد عون الله الا بسواعد أبنائها .. نعم أنتم ابنائها تعقد عليكم الآمال بعد الله تعالى فما أنتم صانعون وانظروا كيف تتحدث الأمم عن اجدادكم العظماء عن علومهم وبطولاتهم بكل فخر وعزه لأنهم فرضوا على الآخرين احترامهم.
ولقد عجبت كثيرا من بعض من اسميهم (المنهزمون) الذين يحثون الشباب على عدم الالتفات الى الماضي ولا ادري كيف يستطيع المرء ان يبني حاضرا دون أساس الماضي ، وماضينا زاهر ولله الحمد والمنة ليس كماضي أهل العصور الوسطى وظلماته…..
إننا لا نطالب بان نقبع في الماضي بل نستلهم منهم ونستقي من معينهم ثم نمضي قدما ونزاحم اهل الحاضر ونبزهم ونعلوا عليهم بأيماننا ويقيننا وعلمنا ونعمل للمستقبل بعون الله القدير واعلموا أن الغرب الى يومنا هذا يدرس في جامعاته خطة معركة اليرموك بقياد خالد ابن الوليد فكيف يأخذ غيرنا ما هو لنا في حين نرمي نحن بتراثنا زاعمين اننا لا نريد أن نلتفت للماضي هذا عجز وخور….
فهلم بنا نضع سواعدنا وايدينا فوق بعضها ونتكاتف ونلتف حول قادتنا ونعمل سويا لنعمر حاضرنا ونستشرف المستقبل لمن يأتي خلفنا من أجيال .. وحذار ثم حذار ان تلتفتوا للمثبطين الذين يلقون في روعكم بأنكم لن تستطيعوا اللحاق بمن سبقكم ، فأنكم أكثر الأمم شبابا في حين تعتري الأمم الأخرى الشيخوخة ……
أسأل الله ان يبارك في أعماركم وأعمالكم وأوقاتكم .
إبراهيم يحيى أبو ليلى
مقالات سابقة للكاتب