وصف ابن الهثيم منهجه في العلم فقال “” سعيت دومًا نحو المعرفة والحقيقة، وآمنت بأني لكي أتقرب إلى الله، ليس هناك طريقة أفضل من ذلك من البحث عن المعرفة والحقيقة “”.
يستهويني جداً مايصل إليه العالم كل يوم من إختراعات وإنجازات علمية .. أتابعه بشغف وإهتمام.
خلال دراستي كنت أسمع وأقرأ إنجازات الجامعة العلمية وعقود الرعاية المالية والتعاون البناء بين المؤسسات التعليمية والقطاع الصناعي أوالشركات بشكل عام ، من خلال الإستفادة من قدرات الجامعات العلمية والمتمثلة في البحوث والدراسات والتجارب العملية.
معادلة تعاون جميلة يستفيد منها كِلا الطرفين بالإضافة إلى الفائدة العظيمة التي تعود على الفرد والمجتمع ومستواهما المعيشي وبالتالي يزدهر الإقتصاد وتقوى الدول والأمم.
بدأت فكرة هذا المقال بالبحث عن إجابة لمدى إستفادة جامعاتنا من البحث والتطوير أو مايسمى R&D مع شركات القطاع الخاص ، فآثرت أن ابدأ بحثي من البداية الفعلية لعلم التجربة والبحث والإختراع في العصر الذهبي للعالم الإسلامي ، مروراً بأسباب إندثارها وإنتهاءً بوضع جامعاتنا الحالي.
كان من المحزن جداً خلال بحثي صعوبة الحصول على معلومات وبحوث تختص بدراسة فلسفة وعلوم علماء العصر الذهبي في الإسلام وأسباب إندثارها باللغة العربية.
إختلف المؤرخون في تاريخ بداية العصر الذهبي فمنهم من أرخها بتواريخ قيام وسقوط الدول ، والبعض الآخر أرخها بتواريخ وفاة أعلام ذاك الوقت.
القول الأرجح هو أن العصر الذهبي للحضارة الإسلامية بدأ من القرن الثامن الميلادي وحتى أواخر القرن الخامس عشر ، فيه أبدع المسلمون في علوم الطب والهندسة والفلك والصناعة ، ووقفوا على أكتاف علوم العلماء من العصور القديمة ، فأبدعوا وأبهروا العالم بإختراعاتهم وإكتشافاتهم وأرتقوا بحياة الإنسان والمجتمع من حولهم ، إختراعاتهم طالت كل شئ في حياة المجتمع المتطور الحالية كفكرة عمل مضخات المياة والسدود والمستشفيات التعليمية وأدوات الطبيب الزهراوي الجراحية وعلوم التشفير وتكرير النفط وغيرها الكثير .. للمزيد أنصح الجميع بالإطلاع على كتاب ألف إختراع وإختراع للبروفيسور سليم الحسني من إنتاج مؤسسة العلوم والتقنية والحضارة البريطانية.
مالذي تغير ؟ بعد أن كنا أمة العصر الذهبي للعالم أصبحنا أمة أمية في تقرير منظمة ألكسو العربية ، حيث وصل نسبة الأميين إلى 27% في عام 2013 .. أصبحنا أمة إستهلاكية .. أصبحنا من دول العالم الثاني بل الثالث ، كل ماحولنا هو من إختراع وتصنيع العالم الأول حتى حروفي العربية التي أخط بها هذه الكلمات والجهاز الذي تقرأها منه ، هما من صنع الدول المتقدمة صناعياً وعلمياً .. بإختصار أصبحنا أمة هشة ضعيفة.
ما أسباب أفول وضعف العلوم والاختراع في عالمنا الإسلامي الحديث ؟ سؤال بحثت عن إجابته فوجدت نظريات عده في عدد من البحوث والمحاضرات لباحثين مسلمين وغير مسلمين يعملون لمنظمات غير عربية للأسف .
هناك نظريات تلقي باللوم على بعض المذاهب الإسلامية وأساليبها في الفلسفة والمنطق ، ومن وجهة نظري أرى أن الإنحياز إلى فلسفة الإستدلال والمنطق لمذهبٍ ما وإتهام مذهب آخر بأنه السبب في أفول العلوم والتقنية ، فيه من التعصب والتحزب الكثير ولا يرتقى لأساليب البحث والتدليل العلمي الخالص ، كما أن الكتاب والسنة النبوية فيها الكثير من النصوص التي تحث على التفكر والتعلم والإستكشاف ، لذا فضلت عدم الخوض فيها أو ذكرها لبعدها عن الحياد.
من النظريات الغير متحيزة والمنطقية ماذُكر في محاضرة ألقيت في الجمعية الملكية البريطانية حول الإسلام وعلاقته بالعلوم ، وأن الإستعمار في بداية عصر الإستكشاف الأوروبي أحد أسباب ضعف ثم إندثار الثقافة والعلوم في المجتمع المسلم ، حيث عَمِل المستعمر في ذلك الوقت على التقليل من شأن علوم المسليمن وتصوير أن فيها الكثير من الخزعبلات والنظريات غير المنطقية ، كما كان أيضاً للإستعمار تأثيراً كبيراً على الديموغرافية أو التركيبة السكانية للمناطق المستعمرة فتأثر فكر المجتمع وإهتماماته اليومية ، وبالتالي التغير الجوهري في فلسفة المنطق والحوار وتحورها من تركيز النقاش على الفكرة أو الرأي إلى نقاش حول موثوقية صاحب الفكرة .. ومن هو صاحب الفكرة ؟ وهل البحث العلوم والفكر يستحق إهتمام المجتمع؟ ومن هو العالِم ؟ وماالذي جعل منه عالِماً ؟
أيضاً من الأسباب التغيرات الإقتصادية والإضطرابات والتأثيرات السياسيّة ، فقد كان للخلفاء والملوك ودولهم المزدهرة اليد الطولا في تشجيع العلماء وبناء المكتبات ودور الحكمة والجامعات.
كذلك الدمار الذي حل ببعض مكتبات ومدن العالم الإسلامي نتيجة الحروب والغزوات ، فأندثر واختفى معها الكثير من العلوم والمخطوطات.
هذا ماكان في الماضي .. في المقال القادم سنعرج على الدعم المقدم من الحكومة السعودية للتعليم والبحث الجامعي ، كذلك بعض المشاكل والمآخذ على أنظمة جامعاتنا الحالية والفرص المتوفرة.
حسام يحيى الصحفي
مقالات سابقة للكاتب