الحمدلله الذي خلق الإنسان وهداه النجدين وجعل أمة محمد أمة وسطاً، ومن الوسطية الإعتدال في الإنفاق، قال الله عز وجل ( والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما)، وهدر الطعام ينافي الوسطية، ويعود سبب هذا الهدر في المقام الأول إلى عدم تقدير ما يكفي حاجتنا عند إعداد الطعام، فغالباً تجد كميات كبيرة مهدرة من الطعام في المنازل والمطاعم وقصور الأفراح، ماذا لو عملنا بما جاء عن النبي ﷺ بأن طعام الواحد يكفي لإثنين، وطعام الإثنين يكفي لثلاثة، هل سنشاهد حينها هذه الكميات الهائلة المهدرة من الطعام؟!!.
وبالإنتقال من الحديث عن إعداد الطعام إلى تناوله نجد أن البعض يفرط في حشو المعدة التي وصفها النبي ﷺ بأنها بيت الداء، لذا وجه عليه الصلاة والسلام إلى تثليثها بين الطعام والشراب والنفس، فلو كان هناك إلتزام بهذا التوجيه لكان ثلث المعدة كافياً لإشباعه دون الحاجة لعملية التكميم الجراحية.
ولما سمعنا عن هذا الهدر للنعمة التي ورد في الإحصائيات بأن الفرد في المملكة يهدر ٢٥٠ كجم سنوياً من الأرز، ناهيك عن بقية أنواع الأطعمة الأخرى التي يهدرها، وجب التوقف عندها وإتخاذ إجراءات عملية من شأنها إيقاف هذا الهدر، وعلى رأس هذه الإجراءات إلغاء مبدأ أو شعار “يزيد ولا ينقص” في المناسبات ونستبدله بشعار آخر “لا يزيد ولا ينقص”، فهذا الإسراف من إضاعة المال التي نهانا الله عنه، فإذا كان غير المسلمين يحرصون على عدم رمي الأطعمة من منظور مادي فإننا نحن المسلمين ننظر إلى هذا الأمر من منظورين، الأول من ناحية كونه إسراف لايحبه الله حين قال ( إن الله لا يحب المسرفين)، والآخر من ناحية أنه ضياع للمال الذي هو مال الله الذي آتانا، وأن أقدامنا لن تزول يوم القيامة حتى نسأل عنه كما أخبر الرسول ﷺ عن الأربعة أسئلة والتي منها ( وعن ماله من أين اكتسبه وفيمَ أنفقه).
إن مجرد عرض المشكلة بالإحصائيات للفت الأنظار لخطورتها أمر جيد ولكنه لا يكفي، إذ لابد بعد التشخيص من علاج، ولعل من علاج هذه الظاهرة مراجعة أساليبنا في تربية أبنائنا منذ الصغر في المنزل وفي المدرسة، بحيث نغرس في نفوسهم أن الطعام نعمة من الله يجب شكره بالحفاظ عليه من الهدر، كما نعمل على تقوية الوازع الديني لديهم بأن الذي أعطى سبحانه قادر على الأخذ، وأيضاً نوسع مداركهم بالنظر إلى أحوال الشعوب التي يعاني أهلها من المجاعات، إما لقلة دخل الفرد أو بسبب الحروب. وما يقال عن هدر الطعام ينسحب على الإسراف في الماء والكهرباء والملابس، فكلها نِعَم تزيد بشكرها وترفع بكفرها.
عبدالرحيم إبراهيم الصحفي
مقالات سابقة للكاتب