الحرب على الحب

( كل نتوءات الطريق التي أضحكتنا سوياً تحولت لخناجر ) سلمان العودة .

أيها القارىء أعد النظر في العبارة السابقة , ألا ترى بأن حروفها ما زالت ترتعش من فعل تلك ” الضحكة الطاعنة “.

أما قائل العبارة فهو طائر له وقاره ومنزلته بين أطياف الطيور , كنت وما زلت مولعا به وأتتبع تغريداته وتقلباته من خلف القضبان , تأملت من خلاله عباداتي وأجمل عاداتي .

فعادته التحليق مع كل إشراقة , وأنا كعادتي أحلق خلفه , ولكنه اليوم على غير العادة , رفرف بجناحيه ليلاً وبدا هزيلاً تائهاً ضائعاً فاقداً لوعيه , يعوم في السماء ويحلق في البحر , ويغرد بمنطق فلسفي حنينه تنهيدات وحلمه آهات , إنه ( منطق الحب ).

وهذا المنطق كثيراً ما نتجاهله علناً خوفاً من نظرة الطيور المجاورة لنا , مما يؤثر على مكانة عشنا المتهالك داخلياً .

في بادىء الأمر نظهر الحب , وبعد مدة قصيرة نقدم ” الحب بطريقة بشعة ” , فتتثاقل أجنحتنا ويحلق بنا جمود مشاعرنا , فمهما حاول الطرف الآخر التخلص من هذا النقص , ومهما حاول إشباع حاسة الحب لديه بطرق عدة , منها تزيين العش بأعياد ( ذكرى الزواج _ رأس السنة _ أسبوع الشجرة ), فكل محاولات هذا المحب إلى المنفى , حتى فروخنا لا نحتويهم ولا نغرد لهم بما يحبون , فهمنا إطعامهم ثم إسكاتهم , فيبدؤون البحث عن هذا المنطق في العشش المجاورة ويعلنون حبهم الحضري المذموم ,

وعندما نشيخ ينطوي كل منا في طرف العش , ويعلن احتفاله ( بعيد العزلة ) المتفق عليه .

يا طير الوقار أنت خير من يعلم بأن منطق الحب لا يتعارض مع وقارك , وأنت خير من يعي قول الرسول عليه السلام في خديجة رضي الله عنها ( إني رزقت حبها ) .

كنا وما زلنا نجتمع حول شجرتك وشجرة من هم مثلك صباح مساء , لماذا لم تصدحوا وتفصحوا عن أسرار الحب ومكنوناته , لماذا يا طائر الوقار العاشق الصامت لم تحدثنا عنه إلا بعد رحيل من تحب , لماذا تطلق الآن وسما لمحبوبتك الراحلة #أكملي_الحكاية .

على الرغم من عتابي فأنا ما زلت أحلق خلفك , وأتتبع تلك الروح الراحلة معك , وأعلم

بأن روح المحبوب الراحل هي روح شريرة , ” تطاردك في نفس الوقت الذي تعانقك فيه “!!.

وأعلم أيضًا بأن هذه الروح الراحلة , متى ما كنت قوياً أضعفتك , ومتى ما ضعفت نالت منك , ومتى ما نالت منك أعادتك للحياة لتتلذذ بتعذيبك .

سأستعين بعباره جنونية تختصر مالا يختصر, يقول ليو تولستوي : ( عندما قالوا لي في المستشفى زوجتك ماتت , لم أعرف حينها ماذا أفعل , كنت سأذهب الى المنزل لأخبرها بما حصل , لكي تقول لي هي ماذا أفعل ) .

نحن أمة تمارس أعلى مراتب الحب وهو( التدليه ) المفقد للوعي ,ولكننا للأسف لا نبوح بذلك الحب , ونقوم بدفن حروفه حية .

سؤال لكل عاشق صامت مشكك :

كم مرة حاولت نظم أبيات مكسورة الوزن والخاطر , في حق من أحببت بعد رحيلهم ؟!

فلننه هذا الجمود , وسأنتهي أنا من تغريداتي البائسة , ثم نرحل سوياً كعشاق صامتين , ولنستبدل اللكمات بالكلمات, ونعترف بما يخالج صدورنا .

الحب : هو مناغاة بين طفلين , “واحتضار باسم” يطوف بين كهلين .

حرفي الحب ( حاء ) حنين حارق , و( باء ) بريق باكي.

الحب أمسية شعرية أنت مسرحها أنت منبرها أنت قائدها ,أنت من تختار جمهورك فيها , قد يكون جمهورك صمت جائر , أو وردة محتشمة , قد يطول انتظارك , أو يزيد احتضارك , قد يكون جمهورك شيطان أنيق طوق رقبته بمعاص رقيقة ,

وقد يكتظ المسرح بجمهور عظيم يهتف لنفسه صمتا , هذا الجمهور هو ( المحبوب ) هو قلبك يجلس أمامك .

صديقي المحب , خذ أمسيتك الشعرية وكل أشلاءك وجمهورك العظيم ( محبوبك ) , حلق بين أغصان “مقهى المطر” وشاركنا وسم ابدأ الحكاية , أغرق محبوبك بهتان حروفك ثم أنقذه , لكن إياك أن تنجرف باتجاه “مقهى البؤساء” ومشاركتهم وسم أكملي الحكاية , فطائر الوقار يلعب دور النادل هناك , ويقدم لمرتادي مقهاه واد سحيق واحتضار , أما أنا كنادل في مقهى المطر أقدم لك الرحيق والانتصار , وقائمة بالنصائح لطيور الحب بالمجان , مكتوب فيها أيها الطائر أطلق حروفك تارة وقيدها تارة , لا تغلو في حبك ولا تنقص منه , لا تكثر من تغريداتك , اصنع للحب رونقاً , اجعل من الحب حالماً بك .

ملحوظة : يسمح للنادل بالتجسس , ( فالتجسس على المحبين وقار للأذنين ) .

ولا تقلقوا مني كنادل فأنا أنتمي إلى العذريين قبيلة ( عذرة بن قضاعه ) , من سمي الحب العذري نسبة لهم لصدق مشاعرهم , قوم إذا عشقوا ماتوا وماتت حروفهم معهم , ولست من أصحاب العقليات السخيفة التي تظهر حبها علناً , فالحب لا يعلن إلا سراً بين اثنين , لذلك سأقدم الحب للطيور كناصح فأهلا بكم .

ها هو صديقي طائر الحب الصامت ومحبوبه يتهامسان على خجل بين أغصان المقهى , فهما لم يعتادا على ذلك , فجأة ضمت المحبوبة جناحيها ثم غردت مستعينة بحروف غادة السمان :

ها أنا ضالة بدونك أهيم في الفضاء ؛

مثل بالون أفلتته يد طفل في العيد ونسيته !

ها أنت تلتصق بذاكرتي كصداع نصفي ؛

أرجوك اجبني هل أنا بلهاء ! أم أنا بلهاء !؟ …

* بلهاء *: تحمل معنيين امرأة كاملة العقل وناقصة العقل .

تعجب صديقي العاشق الصامت وطال صمته كثيراً , اقتربت منهم مقدماً لهم رحيق الورد , وأهديته خفية حروف حب نظمتها له لكي يغرد بها , بسط صديقي جناحيه ثم رد على محبوبته قائلا :

ملهمتي !

يامن دنت الغيرة من عرشها ,

وانجلى القمر قبل الأوان لحسنها ,

يا سحر عيني , يا بلبلي الحيران , يا قصيدة الولهان,

اقتربي مني , وابتعدي مني

اندثري وانتثري …. وبالجرح احتفي ولا تكتفي ,

معذبتي : ما زال حبنا صادق

وما زال قلبي مسروقا , وأنت السارق !

ثم حلق العشاق بعيداً باتجاه الفرح , وقررت أن أغرد لكل من أعرف مستعيناً بمنطق طائري الموقر قبل آهاته وبعد معاناته .

قبل الوداع : يا طائر العشق الصامت أخبر من تحب بحبك , وإن لم تجرؤ غرد بهذه الحروف لمن تحب , أو احفظها في مذكرتك لتقرأها على روح من تحب .

أما أنا سأحلق الى ملاذي الرياض وبين جناحي كتاب حب , عنوانه ( طوق الحمامة ) للإمام الفقيه ابن حزم الأندلسي , سأهديه لصديقي قبل زواجه بأيام , كتبت له في مقدمة الكتاب , صديقي :

( دق الطبول , وأعلن ” الحرب على الحب ” !!

ارمِ من تحب بنصال همساتك , ثم أخرج من غمدك وردة ,

طوق أرض المعركة بقلبك , ثم أعلن خسارتك ,

فالخسارة قبل رحيل من تحب انتصار )

توقيعي : اعتنق الحب وانفجر باعتدال …

 

مشهور عبدالعزيز الصحفي 

مقالات سابقة للكاتب

5 تعليق على “الحرب على الحب

ابو جوانه

تحبر في جمال المقال لتقول في نفسك ماشاء الله سبحان من الهمه هذا الابداع
مبدع يااستاذ مشهور

ابوفادي

فراق الزوج بعد عقود
كفصل النواه وانشطارها

محمد الصحفي

(صديقي :
( دق الطبول , وأعلن ” الحرب على الحب ” !!
ارمِ من تحب بنصال همساتك , ثم أخرج من غمدك وردة ,
طوق أرض المعركة بقلبك , ثم أعلن خسارتك ,
فالخسارة قبل رحيل من تحب انتصار )
توقيعي : اعتنق الحب وانفجر باعتدال …)

إيه العظمة دي كلها ؟؟ أسلوب فاخر وخيال مبدع
للأمام يا بطل

متعب

الحب هو إكسير الحياة
بدون الحب لا يمكن أن تستمر الحياة
بيوت بلا حب ستؤول للخراب
ومجتمع بلا حب سيتحول إلى وحوش
استمتعت بمقالك يا أستاذ مشهور شكرا لك

متابع

أيها الكاتب الرشيق والأديب الأنيق
نستمتع بكلماتك ونمررها كما هي دون تفسير . ولو أننا أحيانا لانستسيغ بعض الاستشهادات التي من خارج ثقافتنا
مجتمعنا يعاني من الجفاف العاطفي فهو حتى عندما يحب لايحسن أن يعبر عن مشاعره ! ربما بيئتنا القاحلة الصحراوية لم تجعل للحب وللعواطف طريقا لقلوبنا .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *