تسمية الأماكن الجغرافية عند العرب

لقد أرتبطت حياة العربي – ارتباطاً وثيقاً ومباشراً – مع البيئة المحيطة به وبكافة مكوناتها وأثر فيها وتأثرت به ؛ لذلك تجد أغلب المسميات عند البدوي تدور حول بيئته ، ونمط معيشته، وظروف حياته سواء كانت هذه الظروف مناخية ، أو اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية أو غيرها من الماديات المحسوسة التي يتعامل معها ويستخدمها وتؤثر على مسار حياته اليومية .

لذلك عندما نستعرض كثير من أسماء الأماكن والمواقع الجغرافية نجد أن العربي يمنح هذه المواقع أسماء تصف مظهرها على سطح الأرض ويطلق عليها أسماء مأخوذة من بيئته تناسب شكلها وطبيعتها التضاريسية ، أو يقوم بربطها بحدث طبيعي أو تاريخي وقع فيها أو بالقرب منها ، وغالباً مانجد أن المسميات الجغرافية لها مدلولها الوصفي ؛ وترتبط ارتباطاً وثيقاً بالمسمى والتدليل عليه بالمعنى ؛ لذلك نرى تكرار وتشابه كثير من المسميات الجغرافية عند العرب !

وقد يكون المسمى الجغرافي له ارتباط بالوضع التاريخي أو السياسي للقوم الذين نزلوا فيه أو بجواره.

ولاتقتصر نمط هذه التسميات على المجال الجغرافي فقط ،بل تتعداه إلى مسميات الأشخاص ، ومسميات النجوم فنجد أن العربي يطلق من الأسماء على النجوم مايناسب شكلها أو تكوينها من حياته الأرضية ويجعلها حياة أخرى في فضاء السماء ! فنجد مثلا مسمى الدلو والعقرب والثور والميزان والسبع وغيرها.

وقد تميز العربي بذكائه الفطري وقدرته الهائلة على التكيف مع مكونات وظروف بيئته المحلية والأندماج معها ، بل تجاوز ذلك ليعطي الأماكن والمواقع الجامدة من حوله تسميات تبث فيها الروح والحياة، حيث نجد كثير من أسماء المواقع لها علاقة بجسم وأعضاء الانسان أو الحيوان ، فيستخدم الخيال ويصور المكان الجغرافي كأنه كائن حي يسقط عليه من الاسماء مايتوافق مع شكل عضو الانسان أو إيمائه وحركته الجسدية -فنجده يقول مثلا : رأس الجبل أو ( قنته) أو كتف الجبل أو رقبة الجبل أو بطن الوادي أو مثناته ( المثناه) والمنحنى ( الحنو) ، وغيرها كثير من التشبيهات العضوية أو الحركية أو حتى الحسية لجسم الكائن الحي.

ومن التسميات الجغرافية التي تحاكي بعض أجزاء جسم الإنسان أو الحيوان مسمى الصدر ، وركبة ، والثديين ، والبطين ، والقرين ( القرنين ) ، والكراع ، الضرس ، الخشم، الساق وغيرها من مثل هذه التسميات …

بل إن العرب لم يتوانوا عن إسقاط بعض المسميات الجريئة وتشبيه بعض الأماكن بالأعضاء التناسلية في جسم الانسان ، فهناك بعض التلال والصخور نحتت بفعل عوامل التعرية وأصبحت تشبه بعض تلك الأعضاء وأطلقوا عليها ما يشابه ذلك في لهجتهم المحلية !

ومن هذه التلال والصخور تللك الصخرتين التي توجد في منطقة الجبيهة ( الوسيق ) – في ديار قبيلة حرب –  على الطريق مابين عسفان ومحافظة الكامل ( تبعد عن محافظة الكامل حوالي ٤٠ كلم ) ، وقداشتهرت وأصبحت من معالم الطريق والمنطقة وذلك بفضل مظهرها العجيب و التسمية والتشبيه الجرئ الذي أكسبها شهرة وانتشاراً عند أغلب سكان الحجاز. وقد دارت حول هذه التسمية لهذه الصخورالعديد من المواقف المضحكة والمداعبات الشعرية بين شعراء قبيلتي (سليم وحرب).

 

مهدي نفاع بن مسلم القرشي

مقالات سابقة للكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *