إن مواسم الخيرات في الدين الإسلامي كثيرة وكلها لصالح الإنسان، ففي شهر رمضان المبارك تجد القلوب كلها تعطف على بعضها وتجد الرحمة هي شعارها وتلهج بالذكر لتنال رضا ربها، وما إن ينتهي هذا الموسم العظيم وبمجرد رؤية هلال شهر شوال فإذا بالألسن والأصوات تتعالى مكبرة مهللة اعترافا بنعم الله أن بلغها العيد وترجوه أن يتقبل الله ما كانت فيه من العبادة.
العيد فرحة لكل الناس، وبعد أن أدت النفوس زكاة أموالها؛ كل مسلم غنيًا كان أم فقيرًا، الكل يخرجها راضية بها نفسه؛ لعلمه أنها تكاتف وتعاضد بين أفراد المجتمع المسلم.
أمة واحدة كل فرد فيها يعطف على أخيه، لذلك كان من الواجب علينا حين نلبس الجديد أن نشعر بإخواننا في كل بقاع الأرض من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب؛ في أحراش آسيا وأوديتها، وفي أدغال إفريقيا ورمالها، طالما أن الشعار الذي يجمعنا هو كلمة «لا إله إلا الله محمد رسول الله» وأن القبلة التي يولى كل مسلم وجهه إليها في صلاته هي الكعبة المشرفة، هذه هي العلاقة الوحيدة التي ينبغي أن تجمع أفراد هذه الأمة لا سواها.
تأتي فرحة العيد وهناك إخوة لنا قد عضهم الجوع بنابِهِ، وجثم الفقر عليهم بكلكله فأرهقهم، وآخرون قد زلزلتهم وشردتهم حروب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، ولقد أمسوا هم وقودها وآخرون ينامون على الأسرة البيضاء، فأدنى واجب علينا إن لم نستطع فعل شيء لهم ماديا؛ فعلينا أن ندعوا لهم في ظهر الغيب، ومن منطلق تعاليم الاسلام التي نادى بها الرسول الكريم؛ صلى الله عليه وسلم بقوله: (لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ) فقد نفى صفة الإيمان عن من لم يهتم بأخيه المسلم.
المسلم وكفى، هذه هي الآصرة التي لا تنفصم عراها أبدًا مهما ابتعدت ونأت ديار المنتسبين لهذا الدين القويم، ولأن هذه العروة الوثقى كما وصفها الله جل جلاله متينة وقوية؛ يحاول الأعداء المناوئون لهذه الأمة فصمها وقطعها والتفرقة بين أفرادها لأن اتفاقها هو هزيمة لهم واستيقاظها من سباتها يرعبهم ويقض مضاجعهم ويجعلهم يعودون القهقرى منهزمين مخذولين.
العيد فرحة لهذه الأمة الواحدة التي مهما ضعفت فلن تموت أبدًا، هذه الأمة تعلم علم اليقين؛ بل عين اليقين؛ بل حق القين أن اختلافها يفرح عدوها، وتشرذمها يثلج صدره، فما بالها إذًا تنيله مبتغاه، فهي أمة تعتنق دينا بدأ برجل وامرأة وغلامين في مكة؛ وها هو الآن يعتنقه مليار وسبعمائة مليون إنسان ويبلغ آفاق الأرض، ليتحقق بذلك قول الرسول الكريم الذي لا ينطق عن الهوى، فعن تميم بن أوس الدَّاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليَبْلُغن هذا الأمر ما بلغ اللَّيل والنَّهار، ولا يترك الله بيت مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلَّا أدخله اللهُ هذا الدِّين، بِعِزِّ عَزِيزٍ أو بِذُلِّ ذَليلٍ، عِزًّا يُعِزُّ الله به الإسلام، وذُلًّا يُذِلُّ الله به الكفر)، نعم إن أمة هذا شأنها لايمكن أن تسقط رايتها أبدًا برغم اليأس الذي ينتاب بعض أفرادها بسبب الضعف الذي يتلبسها حينا بعد حين.
إذًا ينبغي عليها أن تتصافح قلوب أفرادها قبل أياديهم، وتعلم أن الله مع اجتماعها وتعاضدها وتكاتفها، والعيد فرحة، وأكبر فرحة هي يوم أن نرى كل المسلمين على قلب رجل واحد؛ لا تفرقنا الأهواء والمصالح والأثرة الفردية، أو الفئوية الأنانية.
العيد فرحة لكل أفراد المجتمع المسلم برغم المنهزمين والمستسلمين لدعاة التفرقة، برغم الذين يتحينون الفرص لخلخلة بنيان الأمة المرصوص المتماسك، والذين ليس لهم هم سوى غرس بذور الفتنة للنيل منها، برغم هؤلاء وأؤلائك سيفرح الأطفال بالعيد؛ الأغنياء منهم والفقراء؛ الميسورون منهم والمعسرون، سيلبسون الجديد كل بقدر طاقته المادية، وسيغنون أهازيج العيد، سيركضون فرحين ويطرقون الأبواب في براءة الطفولة الصادقة في كل موطن يضم أفرادًاا مسلمين.
ستنشد الفتيات بضفائرهن الصغيرة أجمل أناشيد العيد، سيكبر أفرادها ربهم ويهللوا في مساجدهم وأسواقهم في كل زاوية وصل إليها أذان بلال بن رباح، بأن الله أكبر، وستعلوا راية محمد صلى الله عليه وسلم، رضي من رضي، وأبَى من أبَى.
فيا أيها المسلمون في شتى بقاع العالم؛ تعانقوا وقولوا لبعضكم ـ وأقول معكم ـ كل عام وأنتم بخير، جعل الله عيدكم مباركًا، وأعاده الله على الأمة باليمن والبركات.
إبراهيم يحيى أبوليلى
مقالات سابقة للكاتب