في السنوات الأولى ـ سنوات التأسيس الثقافي بتبوك ـ أي قبل أكثر من ثلاثين عاما تقريبا كنا نذهب وبعض المحسوبين على الخربشة الثقافية بذلك الزمان بتبوك إلى المزارع من أجل أن نقيم تحت ظلال أشجارها وتحت جمال أجواءٍ خاصةٍ في ليالي الصيف، لإقامة العديد من الأمسيات الشعرية والثقافية بهذه المزارع، لأنه لم يكن هناك أية مؤسسة معنية بالهم الثقافي بتبوك، إلى أن قيض الله لتبوك تأسيس النادي الأدبي بها، وعندما أصدر صاحب الصلاحية قرار التأسيس لهذه المنشأة، لم يكن يوجد أيامها بتبوك اسما ثقافيًّا أو أدبيًّا يشار إليه بالبنان لكي يحمل هَمَّ هذه المؤسسة الثقافية، ويتبوأ منصبها.
في ظل هذا الضباب الفكري اتجه صاحب القرار بتبوك للبحث عن الأعيان ورجال الأعمال لترشيح أحدهم لرئاسة هذه المؤسسة الثقافية، فوقع اختياره على رجل فاضل وكريم من رجال الأعمال بتبوك، العاملين في بدايات أعمالهم التجارية بمهنة التخليص الجمركي، وهو رجل بعيد بكل المعطيات عن الثقافة والأدب وهمومها، ولكن ما إن صدر قرار تكليفه برئاسة النادي الأدبي حتى اتجه رجل الأعمال المعين إلى صاحب القرار طالبا إعفاءه من هذا التكليف قائلا: إنني لا أستطيع أن ألبس ثوبا غير ثوبي، مُسَجِّلًا موقفا مشرفا لتاريخه العملي والاجتماعي بتبوك إلى يومنا هذا، بل أسس لثقافة جديدة مع معطيات العمل بمؤسسات المجتمع المدني بأنه لابد لمن يعمل داخل مؤسسة أن يكون على ارتباط بأعمالها أيًّا كانت هذه الأعمال، وما كان من صاحب الصلاحية إلا أن استجاب له وتم إعفاؤه، وبهذا الموقف ضرب رجل الأعمال هذا أجمل المواقف الشجاعة تاركا درسا لمن يلهثون خلف المناصب أيًّا كانت.
استحضرتُ هذا الموقف عندما شاهدت بعض الأسماء المرشحة نفسها قبل أسبوعين لعضوية اللجنة الثقافية بخليص التابعة للنادي الأدبي بجدة، وكانت المفاجأة لدي أنْ وصل بهذه اللجنة أن تضم بعض الأميين في عضويتها أيضا، إضافة لذلك أني لم أجد لأي منهم نشاطًا ثقافيًّا أو منبريًّا أو مطبوعًا ولا حتى كتابة بصحيفة حائط، إلا اثنين أو ثلاثة فقط لهم بعض النشاط بِالْهَمِّ الثقافي ومنهم: عبد الرحيم نافع الصبحي الذي اختير رئيسا للجنة (وهو يستحق) للجهد الكبير الذي قدمه لهذه اللجنة منذ تأسيسها، ولكن أتحفظ على باقي الأسماء التي هي بكل تأكيد خارج الجسد الثقافي، بل الكارثة عندما همس لي أحد أعضاء اللجنة وقال: إن أحد أعضاء اللجنة الثقافية يكتب كلمة “نحن” بهذه الصيغة (نحنو)، وكلمة “لكن” بهذه الصيغة (لاكن)، قلت له: لا يمكن الصمت أمام هذه الكوارث التي سوف تشوه الجسد الثقافي بخليص على مدى نصف قرن قادم.
وأمام هذا الألم مع احترامي وتقديري لأخي عبد الرحيم نافع الصبحي، لا بد من مواجهة القافزين إلى هذه اللجنة، وأيًّا كانت النتائج الاجتماعية التي تواجهك بالمحافظة لا بد من إبعادهم عن هذا الجسد الثقافي الغض الهش، إلى أن يقيض الله أمرًا وتَلِدَ خليصُ المثقفَ الحقيقيَّ الفاعل في تغيير مجتمعه إلى الأفضل، وإزالة كافة التشوهات التي شوَّهت هذا الجسد المثقل بالجراح، ولكنَّ السؤال الذي يطرح نفسه، ألا يوجد مثقفون وأدباء بخليص يشار إليهم بالبنان؟ لا. بل يوجد، وتتشرف بهم خليص المدينة والمحافظة، ولهم إنتاج ثقافي وأدبي كبير، بل هم من الرموز الفاعلة بالحركة الثقافية بالوطن منذ سنوات، لكنهم غائبون عن الفعل الثقافي بمسقط رؤوسهم، والسبب من وجهة نظري في عزوف هذه الأسماء الثقافية يعود إلى مزاحمة القافزين للجسد الثقافي لرسم أجندتهم بهذا الجسد.
وإلا فما هي أسباب دخول أحدهم وهو شبه أُمِّيٍّ للجسد الثقافي، ولو سألته عن النابغة الذبياني لرد عليك قائلا: مِن أي القبائل هو؟ لا بد من الوقوف أمام مثل هذه التدخلات، وأَمَلِي كبير في أخي عبد الرحيم نافع الصبحي في جمع الأسماء المهتمة بالشأن الثقافي بالمحافظة وإبعاد بعض الأوصياء عليها، لأن أي عمل ثقافي لا يترك أثرًا وحراكًا بالمجتمع هو عمل خامل كالأعضاء القائمين عليه، وأتمنى أن تُطْوَى السنوات الماضية وخمول اللجنة الثقافية بخليص بكل ما فيها من تشويهات إلى الأبد، والبدء بحراك ثقافي يصنع مجتمعًا أكثر فاعلية مما هو عليه اليوم، وأتمنى تحجيم بعض الأوصياء وإعادتهم إلى واقعهم الطبيعي، فنحن نرغب في مجتمع خليصي يصنع الفرق وَيُسْهِم في تنمية الوطن في كافة المجالات.
والله من وراء القصد.
عبدالله الطياري
مقالات سابقة للكاتب