تُعد الشيلة نوع من أنواع الحداء القديم كان يتغنى به أهل البادية على ظهور الجمال؛ لإثارة الحماسة أثناء المعارك، وتطور هذا الفن حتى زاحم الفنون الشعبية الأخرى واحتل صدارة المشهد الاجتماعي بحضوره في أغلب مناسباته.
الشيلة بحلتها الجديدة عدها البعض دخيلة على المجتمع، ومفسدة للموروث الشعبي العريق، حيث تحولت إلى فن “للهياط” بامتياز، يتسابق فيه شعراء القوم في إثارة النعرات القبلية، والمفاخرة بالأمجاد التاريخية، مع تعظيم للأنساب وتضخيم للأحساب، وجُلُّ هؤلاء لم يسعفهم الحاضر، فعمدوا إلى استجرار الماضي، علهم يجدون فيه عِوضاً عن إفلاس واقعهم، لذا قيل لهم:
لئن فخرت بآباء لهم شرف*لقد صدقت ولكن بئسما ولدوا
وحتى لا نضع الشيلات في سلة واحدة ونوصمها بالعوار والبوار، علينا الإشادة بتلك الشيلات التي وُظفت في الموعظة والنصح والمدح والثناء من غير انتقاص للآخرين، أما محل النقد ما نشهده من شيلات بلغت الآفاق، وأحدثت في المجتمع الشقاق، أذكت روح العنصرية القبلية، وخلقت حالة من التعالي والنظرة الفوقية.
وبعرض الشيلة على مشرحة الدين، نجد أنها هجين بين الأغاني والأناشيد، متوشحة بعباءة إسلامية نزعها الشيخ صالح الفوزان بوصفها أنها أشد أنواع الأغاني؛ لما يصاحبها من إيقاعات ومؤثرات صوتية أشبه بالموسيقى، وقد قطعت فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء قول كل خطيب في إباحتها، واللجنة برئاسة المفتي الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ، حيث نصت على أن:
(الأصوات المصاحبة للأناشيد المسماة بالمؤثرات الصوتية الداخلة عليها الشبيهة بالموسيقى والتي لا يفرق السامع بينها وبين العزف على الآلة الموسيقية – لها حكم المعازف، فيكون الاستماع إليها محرمًا) رقم الفتوى: 23916.
أعلم أن هناك تمتمات عند بعض القراء تجاه هذه الفتوى، واستحضار لقول الآحاد؛ ليُحاج به قول السواد، وهنا لابد التحذير من عرض الفتاوي على مقصلة الهوى، فإما له وفاق أو لها فراق، إن متتبع فتاوي الهوى يستطيع شرب الخمر على قول الكوفيين، وزواج المتعة على قول المكيين، والغناء على قول المدنيين، والعصمة للخلفاء على قول الشاميين، ويكون بذلك قد جمع الشر كما قال الإمام الأوزاعي.
لم تقف التجاوزات الشرعية لهذا الهجين المتوشح بالعباءة الإسلامية عند إدخال المؤثرات الصوتية أو الموسيقى، فالكلمات بها ما يستوجب التوقف عندها، فذاك شاعر يقول لولا قبيلته ما أظن به مملكة، وآخر لقبيلته تقول ملائكة السماء والنعم!
إلى أين سيصل بنا “فن الهياط” القائم على تبجيل القبيلة وتزكيتها؟ ألم يقرأ هؤلاء قول الله تعالى: ( فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى)؟ ألم يعلموا أن ترجيح الميزان بين العباد يكمن في التقوى؟ يقول الله سبحانه وتعالى: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، ويقول الشاعر:
لعمرك مـا الإنـسان إلا ابن دينه*فـلا تترك التقوى اتكالاً على النسب
فقد رفع الإسلام سلمان فارسٍ*وقد خفض الشرك النسيب أبا لهب
سامح عبدالرحيم الصحفي
مقالات سابقة للكاتب