الحج والعمل التطوعي

لا أخفي عليكم أنني قد ترعرعت بين أحضان هذه البلدة الطيبة مكة بكل ما فيها من عبق، ووجدت نفسي هكذا بدون جهد مني أدفع دفعًا وأسخر لخدمة حجيج هذا البيت؛ فمنذ أن كنت في سن العاشرة أو ما دونها بقليل رأيت نفسي في المشاعر المقدسة أخدم حجاج بيت الله الحرام.

وكم كانت تغمرني السعادة حين كنت أقدم للحاج جرعة من ماء أو لقمة من طعام أو أجهز له خيمة وفرشًا، وأتأمل فإذ بالحاج يباشرني بابتسامة الرضى والشكر، حتى وإن لم ينبس ببنت شفة، نعم إنها لغة القلوب التي لا يفهمها إلا من وفقه الله لخدمة هذا الحجيج.

كنتُ عند عودتي إلى البيت وأنا مجهد وأضع رأسي على الوسادة تغمرني سعادة لو وزعت على أهل الأرض لكفتهم وجعلتهم يرفعون أصواتهم بالحمد والثناء لباريهم الذي وفقهم لهذا العمل النبيل، تصور معي أن يمتد هذا العمل لأكثر من أربعين عامًا وأنت تخالط الحجيج بكل أجناسهم وألوانهم، تأخذ بيد من تاه عن منزله فتجوب به شوارع مكة العتيقة حتى تقف به على باب نزله فتجد كلمات الحمد والثناء والدعاء بأن يجزيك الله خيرًا، فأي جزاء فوق جزاء الله، ومرة أخرى تمسك بيد حاج فتدله على خيمته التي تاه عنها بين مئات الخيام وهو تعب من السير من عرفات أو رمي الجمرات، فوالله مهما تحدتث فلن أستطيع أن أصف شعور السعادة التي تنتابني أنا وغيري ممن قيضهم الله لخدمة هذا الحجيج ضيوف الرحمن.

والشيء بالشيء يذكر فقبل أيام حين قام مركز حي المسفلة الذي هو أقرب الأحياء من المسجد الحرام ، قام هذا الحي وعلى مدى ستة أيام باستضافة حجاج بيت الله الحرام، ورأيت كيف كان شباب هذا الحي يتفانون لإدخال السعادة إلى قلوب الحجيج واستقبالهم بالأهازيج الحجازية المرحبة بهم، وإلقاء الخطب وتوزيع الجوائز من مصاحف وكتيبات ومطويات للتعريف بمناسك الحج، وتقديم الوجبات، وكان لي شرف إلقاء كلمة ترحيبية بحجاج بيت الله الحرام، والذي يثلج الصدر أن كل هذا العمل كان تطوعيًا من قِبل شباب الحي وشيوخه وعمدته؛ ابتغاء رضوان الله، ألم أقل لكم إن خدمة الحجيج فيه من المتعة ما تجعل الإنسان يشعر بسعادة غامرة تفوق أي سعادة، فهؤلاء الحجيج قبل أن يكونوا ضيوفًا لنا في هذه البلاد بلاد الحرمين التي شرفها الله بخدمة الحجيج فهم قد تشرفوا بضيافة الرحمن لهم، فأي شرف نالوه وأي عز منحه الله لهم.

سبحان الله حتى الأطفال أراهم يقدمون ما تقوى عليه أجسادهم الغضة من خدمة تليق بهم، إن أهل مكة وطيبة الطيبة ومن حولهما قد سخرهم الله لهذا العمل فلنحمد الله على ذلك ونلهج بالثناء لربنا الرحيم.

فأسأل الله أن يديم علينا نعمة الأمن لنمضي قدمًا بتساهيل ربنا لخدمة ضيوفه الكرام لننال شرف وسعادة الدنيا والآخرة، وأنا إذ أكتب هذه الكلمات ليس طلبا لثناء الناس بل للتعريف عن مدى الغبطة والسعادة التي تغمر من يخدم الحجيج، ولحث الناس في هذه البلاد لبذل كل ما في وسعهم أن يبذلوه خدمةً لضيوف الرحمن، فأسأل الله أن يتقبل من الحجاج حجهم وأن يكتب لهم السلامة والعودة إلى بلادهم مغفوري الذنوب، موفوري الحال، وأن يجعل كل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، فهو القادر على كل شيء، وهو المعين والمتوكل عليه، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم.

إبراهيم يحيى أبوليلى

مقالات سابقة للكاتب

4 تعليق على “الحج والعمل التطوعي

عمران إبراهيم فلاته

أحسنت وأبدعت قولا لافض فوك ولا كسر لك قلم

عبدالرحيم الصبحي - أبو أوس

هكذا تربي الجميع في هذا البلد بداية بمن تقلد وسام خادم الحرمين و تبنى أهل هذا البلد ومن عاش على أرضه رسالة خدمة زوار الحرمين فلا نستغرب مظاهر الفرح وجمل الاستقبال وحسن الضيافة فالكل للحرمين حارس ولزوارهما خادم بالحب نلتقي بهم وبالحب نودعهم ترافقهم الدعوات بحج مبرور وسعي مشكور وعمل صالح متقبل ومغفور فما بين فضيلة العمل التطوعي ومكانة الحرمين نشأت تربيتنا وحسنت أخلاقنا فالحمد لله والشكر لك أخي إبراهيم كتبت فنثرت من الاحساس أصدقه ومن التعبير أجمله تقبل تحياتي ومحبتي لك في الله ولله .

غير معروف

اخي ابو ليلى انت متألق اينما كنت نسال الله لك الاخلاص في النية لوجهه تعالى .. نعم لكم باع في العمل التطوعي لأنك لا تنظر لمدح ولا مكافئة من احد وهذا هو ديدن من أحب العمل التطوعي .. وفقك الله وكتب لك الأجر ?

وضاح

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الاستاذ الفاضل كل عام وانت ومن تحب بخير
ابناء مكه المكرمه وطيبة الطيبه شرفهم الله بالعيش في جوار بيته المعظم ومسجد رسوله صل الله عليه وسلم فخدمه الحاج والمعتمر والزائر فطره فطر الله قلوبهم عليها تجري في عروقهم يقدمون خدمات جليله ليس من اجل المال بل من اجل المثوبه والاجر من الله فكم نغبطهم على هذا الشرف العظيم ونسال الله لهم الاجر والمثوبه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *