المعلم .. بين ثقل الرسالة وفقدان الهيبة !

إن مهنة التعليم مهنة عظيمة ويكفيها شرفًا في كونها تحمل معنى الرسالة ..

” إنما بعثت معلمًا ” .. هنا أعطى نبينا صلى الله عليه وسلم للمعلم صفة حامل الرسالة والتي تشرف بها بل إنها صفة أحاطته بهالة من الهيبة والوقار والمنزلة الرفيعة وهذه الصفة أحبها النبي صلى الله عليه وسلم مع العلم أنه رئيس الدولة وقائد الأمة الإسلامية إلا أنه لم يعطِ نفسه أي لقب منها مع أنه يمثلها جميعًا واصطفى لنفسه صفة المعلم؛ وكيف لايكون جديرًا وهو باني الأمة وصانع الأجيال جسدًا وعقلًا .. قوة وفكرًا .. وعلى يده الشريفة نبغ بناة الحضارة العربية والإسلامية وعلى رأسهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم من الصحابة رضوان الله عليهم ..

وهنا لو تأملنا قوله صل الله عليه وسلم: ” إنما بعثت معلمًا ” يتبادر إلى عقولنا أن هذا المسمى يعد معادلة مكونة من ثلاثة عناصر: ” المعلم والمنهج والتلاميذ “، فالمعلم هو الرسول عليه الصلاة والسلام والمنهج هو القرآن والتلاميذ هم الصحابة؛ ومن هذه المعادلة التي تفاعلت مع بعضها كما يجب ظهر لنا عظماء التاريخ الذين عانوا في إخراج الأمة من ظلام الجهل إلى نور الإسلام؛ وهنا أرى أن العالم الإسلامي اليوم مطالب بأن يعيد الاعتبار إلى المعلم، ويعرف له مكانته التي ” منحها له الله تعالى في عدة آيات قرآنية وأحاديث شريفة ويجب أن يلقى الاحترام الكامل والتقدير الكافي حتى يستطيع أداء مهمته على أحسن وجه، فمعلم الناس الخير يستغفر له كل من في البر والبحر حتى الحيتان في الماء، ويوم أن كان المعلم معلمًا، وكان المعلمون يحظون بالتقدير والاحترام خرج لنا نابغون في شتى العلوم تركوا بصمتهم على صفحة التاريخ الإسلامي الزاهرة.

وإذا كانت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية في رفع شأن العالِم المعلم لا تخفى على أحد، إلا أن الكثيرون قد يخفى عليهم كيف كان سلفنا الصالح يُقدرون المعلم ويجلّونه؛ فهذا الشافعي إمام الدنيا كان يقول: ( كنت أقلِّب الورق بين يدي مالك تقليبًا رقيقًا هيبةً من أن يسمع وقعه )!

ومن ذلك ما ينصح به بدر الدين أحد علماء التربية المسلمين حيث قال: ” ينبغي ألا يخاطب المتعلم شيخه بتاء الخطاب وكافه، ولا يناديه من بعيد، بل يقول يا أستاذي، وأن يعرف له حقه ولا ينسى فضله، وأن يعظم حضرته، ويرد غيبته ويغضب لها، وألا يدخل على الشيخ إلا باستئذان، وأن ينقاد للشيخ في أموره، ويكون معه كالمريض مع الطبيب الماهر، فيشاوره فيما يقصده، ويتحرّى رضاه، وينظر إليه بعين الإجلال، ويجلس بين يديه جلسة الأدب، وأن يحسن خطابه، وأن لا يكرر سؤال ما يعلمه، ولا يسبق شيخه إلى شرح مسألة، وأن لا يقطع على الشيخ كلامه ولا يسابقه فيه، وإذا مشى معه فليكن أمامه بالليل وخلفه بالنهار، إلا أن يقتضي الحال خلاف ذلك، ويتقدم عليه في المواطئ المجهولة الحال والخطرة، وإذا صادف الشيخ في طريقه بدأه بالسلام.

أولئك هم السلف الذين نزعم الانتماء إليهم، أولئك هم المتعلمون والمعلمون، كانوا بتقدير بعضهم لبعض منارات هدى فتحت العالم شرقًا وغربًا، لا أن نحمِّل المعلم الرسالة ونزج به في بحر متلاطم الموج ثم نقول له: كن رسولًا !

كيف يمكن له أن يبدع وينهض بالأمة وهو مازال يحتاج إلى مزيد من تظافر الجهود معه من كافة شرائح المجتمع !

وهذا يحتم علينا إعادة النظر في القضية التربوية برمتها كما اهتم فيها سلفنا الصالح لنفوز كما فازوا ونكون بحق خير خلف لخير سلف.
فعلينا أولًا أن نزرع في نفوس أبنائنا مكانة المعلم وأنه صاحب فضل عليهم ففي تعليمه لهم نقطة قوة وفي انهزامه نقطة ضعف في الأمة.

ثانيًا المعلم هو عصب العملية التربوية ، والعامل الذي يحتل مكان الصدارة في نجاح التربية وبلوغها غايتها، وتحقيق دورها في التقدم الاجتماعي والاقتصادي، ومن هنا فلا يمكن الفصل بين مسئوليات المعلم والتغيرات الأساسية التي تحدث في المجتمع لذلك يجب أن ندرك جيدًا أنه لن يتغير شيء في منظومة التعليم ما لم يكون المعلم هو من يقود التغيير في ضوء حاجة الميدان ومواكبة العالم الخارجي المتغير بما يتوافق مع احتياجات المتعلم في إطار إسلامي عريق؛ عندها سيكون المعلم والمتعلم بناة المجتمع بل هم أسياد العالم بشرف العلم والمعرفة، ونقطة تحول في جودة الانتاجية للمجتمع على كافة الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية فبالعلم تصعد الأمم وتزدهر.

وفّق الله أبناء هذه البلاد وقادتها لم افيه الخير والصلاح.

 

نويفعة الصحفي

مقالات سابقة للكاتب

5 تعليق على “المعلم .. بين ثقل الرسالة وفقدان الهيبة !

إبراهيم مهنأ

شكرا شكرا
ماأجمل ماكتبتي
كيف لا وفيه ذكر المعلم الأول وخير القرون.
فحري بنا نحن المعلمون أن نقتدي به ، وحري بطلاب العلم أن يسيروا على الهدي ، وحينها تكتمل المعادلة ، تتحقق الهيبة والوقار ويرتقي المجتمع ويزدهر ويرتفع الجهل .

حميد محمد الشابحي

المعلم اليوم أصبح تحت سيف كل حاقد ،،
السبب بسيط
سكوت الوزارة من سنوات سابقة عن نصرة المعلم ..
فالهجوم والنقد لم يتوقف ..

محمد الرايقي

فعلينا أولًا أن نزرع في نفوس أبنائنا مكانة المعلم وأنه صاحب فضل عليهم ففي تعليمه لهم نقطة قوة وفي انهزامه نقطة ضعف في الأمة.
توجيه راقي من اختنا نويفعه الصحفي يشجع على غرس هذه المكانة في نفوس أبنائنا فالمعلم أب ومربي وموجه ومحفز للتفوق والنجاح فعلينا دعم هذه المكانة للمعلم

عبدالعزيزالشيخ

كلام سطر بماء من ذهب وتحليل راقي للمشكلة من استاذه فاضله لها باع كبير في التعليم
لك خالص الشكر والتقدير

وضاح

نتفق جميعا بان العلم هو الطريق الى عالم المعرفه ونور الدروب وغذاء العقول وازدهار ونهضة الامم ولولا العلم لعاشت في الظلام تحركها وتتحكم فيها غرائزها فوجود المعلمين ضروره لنشر العلم بين الناس فلهم الاحترام والتقدير واجب وهيبتهم يجب ان تحفظ ولاكن ان يكون المعلم قدوه لابنائي فانا شخصيا اختلف مع هذا الرأي فلكل شخصيه مميزات وعيوب والقدوه تعنى الاسوه والاقتباس فهناك قدوه حسنه ومثل اعلى وقدوه سيئه والاخيره بسببها حل غضب الله وسخطه على امم سبقتنا
فنجد شخص قدوه في الجانب الاخلاقي وشخصيه اخرى قدوه في الجانب العلمى واخرى في الجانب الديني فهنا دوري ان اوضح لابنائي مميزات وجوانب النقص في كل شخصيه من تلك الشخصيات وله حريه اختيار تلك المميزات والبعد عن النواقص فلاتوجد شخصيه كامله منزهه من العيوب والنواقص فمن خلال دارستى في سنوات التعليم الاساسي من المرحله الابتدائيه الى المرحله الثانويه نجد مدرس مهتم بشكله الخارجي وهندامه مع عدم اهتمامه بمادته وضعف معلوماته فهذا اعتبره قدوه من حيث الاهتمام بالمظهر العام ومدرس اخر قيمه علميه هائله ولاكن يدخن ومعلم اخلاقه عاليه ولكن رث الملبس والمظهر ولا يحترم الوقت فمن الخطاء من وجهة نظري ان اتخذ من احدهم قدوه في كل التصرفات ولكن اخذ من كل معلم ميزته الايجابيه وترك الجانب السلبي
مازلت اكرر واقول المعلم له احترامه وتقديره واذا سقطت هيبته سقطت المنظومه التعليميه بالكامل

اما المثل الاعلي والقدوه الحسنه النبي محمد صلى الله عليه وسلم فاين نحن من هذا المثل الاعلى والقدوة الحسنه
في الختام كل الشكر والتقدير والثناء للاستاذه الفاضله على هذا المقال وجزاها الله عنا خير الجزاء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *